مقدمة
أريد أن أبدأ موضوعي هذا مع ة مع كلمات لتشارليزاليوت رئيس جامعة هارفارد في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين, حيث يقول:
“… a university, in any worthy sense of the term, must grow from seed. It cannot be transplanted from England or Germany in full leaf and bearing. When the American university appears, it will not be a copy of foreign institutions, or a hot-bed plant, but the slow and natural outgrowth of American social and political habits… The American college is an institution without a parallel; the American university will be equally original.”
ماذا يحصل لو تم استبدال كلمة ( American) بكلمة ( Arab)?! ستصبح الكلمات كالتالي:
“… a university, in any worthy sense of the term, must grow from seed. It cannot be transplanted from England or Germany in full leaf and bearing. … When the Arab university appears, it will not be a copy of foreign institutions, or a hot-bed plant, but the slow and natural outgrowth of Arabian social and political habits… The Arab college is an institution without a parallel; the Arab university will be equally original.”
إذا نظرنا الى التعليم الجامعي على المسوى العالمي يتبين لنا بأن القرن التاسع عشر كا بامتياز قرن الجامعات الأوروبية، وأن القرن العشرين كان قرن الجامعات الأمريكي، وفي القرن الحادي والعشرين ؟؟؟؟؟!!!!
ما هي رؤية الجامعات العربية؟
جميع جامعات الدول العربية, كما هو الحال في الجامعات الأجنبية, هناك رؤية ورسالة وأهداف وقيم. وأهم شيء في حقيقة الأمر هو التمويل المالي, بدون تمويل تصبح الرؤية ضبابية وغير محددة الإتجاهات, ةبدون تمويل تكون الرؤية ضرب من الهلس. إن التمويل هو شريان الحياة لأية جامعة على وجه هذه الكرة الأرضية.
في الجامعات الأوروبية والأمريكية يأتي التمويل من دافعي الضرائب ولهذا السبب تأي برامج التقييم لضمان مراقبة جودة التعليم, وترتقي إلى سلم العالمية, وتصبح ضمن فئة الجامعات العالمية. إن تصنيف أفضل الجامعات في العالم يميل الى تشويه سلوك الذين ليس في المراتب العليا، هو رد الفعل الطبيعي لأن ” الإدراك هو الواقع” ، والواقع يقول , على سبيل المثال, بأن جامعة كامبريدج لا تحتاج الى تصنيف حتى يقال بانها من أفضل الجامعات في العالم وأنها في المراكز المتقدمة من التصنيف. في هذه الجامعات يكون التحدي الإداري والأكاديمي أعمق من التصنيف. ربما كان اول تعليق لرئيس الجامعة رقم واحد متعجرفا, وربما العجرفة نابعة من أنها الحقيقة وان الحقيقة مؤلمة.
تشويه السلوك ماذا يعني هذا؟ من طبيعة البشر التطور نحو الافضل وهذا يحتم على الجامعات التطور نحو الافضل. ويجب ان ندرك بان التغيير نحو الافضل لن يتأتى في خلال عام أو يتحسن الترتيب خلال فترة زمنية وجيزة. يعتبر هذا مؤشرا هاما فقط, وربما مؤشرا وحيدا, عند الذين يعتبرون نفسهم من الدرحة الثانية أو الثالثة.
إن عاودوا التقييم السنوي ومعرفة مدى التحسن الذي يطرأ على المؤسسة التعليمية في الغالب لا يؤدي إلى نتائج إيجابية وإنما يساهم بشكل كبير بتشويه السلوك التعليمي الجاد.
ولنعترف بأن الجامعات هي جزءا لا يتجزىء من المجتمع والنهوض بالجامعات مقرون بالنهوض بالمجتمع . ونحن نحتاج إلى مئات السنين لحصاد زراعة المواطن, فكيف في عام واحد يمكن أن نغير في ترتيب الجامعة؟ يقول العالم ماكديرميد، الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 2000، حيث قال: “العلم هو الناس”، والواقع أن الغرض الأساسي من الجامعة جهودها الفكرية.
ونحن نعلم جميعا أن “رؤية بدون التمويل
هلوسة! ” التمويل، والتمويل خصوصا السليم، هو خط الحياة من الرؤية كما هو الحال في أي منظمة البشرية، والعلامات التجارية والاعتراف حيوية مكونات وجودها. إلى العلامة التجارية ويتم الاعتراف كشركة، يجب أن يكون هناك منتج. على سبيل المثال، تخيل العلامات التجارية الكوك كولا من دون صيغة للشراب. وبالمثل، فإننا في حاجة الى منتجات للجامعة.
أتذكر الاقتباس الشهير من صديقي العزيز في وقت متأخر من ألان
السيدات والسادة، في القرون 19، 20 و 21، شهدنا حركات مثيرة للاهتمام في الفكرية البشري مركز الثقل.
القرن 19: مركزية الأوروبية
لا أحد يختلف على أن القرن التاسع عسر هو قرن أوروبا بلا منازع. ومن أبرز إسهامات علماء هذا القرن جيمس كلارك ماكسويل الذي أحرز العديد من الإنجازات العلمية العظيمة منذ عصر النهضة. وضع ماكسويل أربع معادلات، تحمل الاسم نفسه، والتي كانت قادرة تماما على تصوير مفهوم وأهمية الإشعاع، والتي حتى يومنا هذا، تشكل أساس العلوم والتكنولوجيا الحديثة!. وكذلك السير إسحق نيوتن وقانون الجاذبية.
أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية، في النصف الأول من القرن العشرين، Top of Form أصبحت مركز الثقل من الجهود الفكرية والاقتصادية البشرية. كانت الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وحشية جدا مما أثر في الواقع الأوروبي وبدأت هجرة العقول نحو أمريكا. وبين عشية وضحاها, في غضون 50 سنة, جعل من أمريكا تصل إلى مستوى عالمي في العلوم والتكنولوجيا والعلوم الإنسانية والفنون وعلم الإجتماع وما إلى ذلك. ومن أهم علماء هذه الفترة: البيرت انشتاين (Albert Einstein)، وجون فون نيومان (John von Neumann)، و هيرمان ويل (Herman Weyl)، و ثيودور فون كارمان (Theodore von Kármán).
***
استغرق حراك هذا الدماغ البشري غير المسبوق حوالي نصف قرن فقط، وبأي معيار من المعايير المتعارف عليها يعتبر وقت قصير جدا. ولم يحدث مثل هذا الحراك العلمي في تاريخ البشرية، وكان من القوة بحيث انه دفع الولايات المتحدة إلى الأمام, ومن أهم نتائج هذا القفز إلى الأمام هو أن جامعاتها أصبحت موضع حسد من العالم في وقت قصير نسبيا. وفي النصف الثاني من القرن العشرين نرى بأن جامعات الولايات المتحدة ما تزال قوة جذب قوية للعقول الطامحة لخدمة البشرية.
في عام 1903، قام الأخوين رايت بمحاولة الطيران, وكانت الآلات المستخدمة بدائية الصنع. أثبتوا للعالم بأن الإنسان ممكن أن يطير بمساعدة محركات. وفي عام 1916, أي بعد 13 عاما من محاولة الأخوين رايت, وضع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، خطة تدريس كاملة لبرنامح تعليمي ” هندسة الطيران” من درجة البكالوريوس إلى درجة الماجستير. لقد تطلب من إدارة المعهد شجاعة أكاديمية!
عندما كانت مارغريت تاتشر رئيسة وزراء المملكة المتحدة ، سألت السؤال التالي: “لماذا جامعاتنا جيدة جدا واقتصادنا سيئ للغاية؟!”
***
نحن الآن قطعنا 20% من فترة القرن الواحد والعشرين.
شهدت هذه الفترة نموا لا ينظر في أي مكان على وجه الأرض. وبدأ الذكاء الإصطناعي طاغيا على حياتنا اليومية. والسؤال الذي يطرح نفسه, أي من الجامعات قادرة على التحول الفكري واختطافه من جامعات الأمريكية في هذا القرن؟ والأسئلة التي لم يتم الإجابة عليها:
– هل الجامعات العربية لديها الشجاعة الأكاديمية لتثقيف جيل
جديد من الشباب العرب المتأصلة الثقة بالنفس؟
– هل يشعر الشباب العرب بأنهم محط إهتمام وتميز؟
- هل الجامعات العربية تمتلك العقلية المناسبة في سبيل تحقيق رؤيتها وأداء رسالتها؟
– هل الجامعات العربية ذات صلة بمجتمعاتها والعالم؟
إذا كانت الإجابة على هذه الأسئلة كلها “نعم”، ثم أنا متأكد من القرن 21 يمكن أن يكون القرن عربيا!
تعيش المجتمعات العربية في دوامة من التغيرات والاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتسارعة التي لا يمكن تصورها، والجامعات جزء من المجتمع تحمل وعدًا كبيرًا للإنسانية من الناحية النظرية, وغير قادرة من تصميم خارطة طريق ذات صلة بالمجتمعات التي ننتمي إليها ، والدول التي ننتمي إليها ، و العالم الذي نحن جزء منه! كانت أوطاننا تحت سيطرة الإستعمار، وما زالت اقتصاديا وسياسيا وفكريا وأخلاقيا، نحن نمر بمرحلة مخاض الإفلاس, الفقر وعدم التسامح وكراهية إخواننا من بني البشر.
واسمحوا لي بأن أبدي ملاحظاتي الشخصية:
- قادة الجامعات
لا يتم تعيين قادة للجامعات بناءا على الكفاءة أبدا, وهذا هو الملاحظ في كل الجامعات العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر. يتم تعيين قادة الجامعات كونهم من الحزب الحاكم، أو من المرضي عنهم من قبل الدوائر الأمنية، أو محاصصة مذهبية نتنة، أو عشائرية متخلفة، أو من المنافقين والمتسلقين للسلطة, أو من نافخي الأبواق لتعظيم وتبجيل االسلطة الحاكمة. ليس باستطاعة قادة الجامعات التفكير خارج الصندوق. ولا تختلف مهمتهم الأولى عن مهمة مدير أو شاويش مغفر بأي منطقة نائية في الوطن العربي, مهمة واحدة وهي “حفظ الأمن”.
- البحث العلمي
إن البحث العلمي هي واحدة من أهم التحديات التي تواجه الجامعات العربية. جميع أعضاء هيئة التدريس يعملون على أبحاثهم من أجل الترقية, وهذا حقهم ولا غبار في ذلك. وفي الوقت الذي تساهم فيه مؤسسات التعليم العالي بطرق مختلفة في جهود الدولة في مجالات البحث والابتكار. والجامعات العربية, والمتمثلة بالدول العربية، تنتج تقليديا عدداً قليل من براءات الاختراع مقارنة مع دول العالم. وللعلم فقط، عدد براءات الختراع في دولة إسرائيل يعادل 12 ضعفا من عدد البراءات الممنوحة للعالم العربي بأسره.
معظم الأبحاث في الدول العربية موجهة لخدمة السياسيين, في شهر شباط من عام 2014، أعلنت القوات المسلحة المصرية أن علماء الجيش المصري توصلوا إلى اختراع جهاز الكبدي الوبائي”. يدعى “كومبليت كيورينغ ديفايس” (جهاز العلاج الكامل Complete Curing Device) أو “سي سي دي CCD ” وهو اختراع يساعد في العلاج الشامل من الفيروسات الفتاكة كالإيدز وفيروس “سي” الكبدي الوبائي.
المثير للسخرية في الموضوع أن الضابط الكبيرالذي أعلن عن الجهاز في المؤتمر الصحفي قال إن الجهاز يقوم بالقضاء على فيروس الإيدز خارج جسم المريض ثم يعاد الفيروس الميت إلى الجسم مرة عن طريق وضعه في إصبع كفتة يتناوله المريض. نعم سيخ كفتة. وإثر انتهاء المؤتمر الصحفي أصبح هذا الإعلان مثار سخرية العديد من العلماء والمثقفين المصريين في الداخل والخارج وحتى الصحافة العالمية سخرت من الموضوع. والأدهى من ذلك بأن حتى الفيروسات سخرت من هذا الاختراع، ورفضت تناول الكفتة ومطالبتها ” فين الكاتش اب”.
جميع العقول العربية المهاجرة أبدعت وأنجزت وخدمت البشرية. الدكتور أحمد زويل, حائز على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1999. الطبيب البارع مجدي حبيب يعقوب, من أشهر أطباء القلب في العالم. الدكتور سهيل النجار وهو أخصائي طب الأعصاب في الولايات المتحدة الامريكية. كتبت سوزانا كتابا في عام 2012 تحت عنوان ” نار في الدماغ ” ، تستعرض فيه محنتها وتجربتها مع المرض، ولولا تشخيص الدكتور سهيل لأنتهى بها الأمر في جناح للأمراض النفسية. تم تحول كتابها ” نار في الدماغ “, الأكثر مبيعًا لعام 2012 , إلى فيلم تم انتاجه في عام 2016.
3-التحديات الكبرى
الجامعات بشكل عام ، والجامعات في منطقتنا على وجه الخصوص ، هي منارات منتشرة في هذا البحر المضطرب, والتصدي للتحديات الكبرى. يجب أن نكون مفكرين غير منعزلين لدينا رؤى جريئة ومجموعات من المهارات المبتكرة. كانت البيانات والمعلومات تأتي منشورة على ورق، والحصول على المعلومات لم يكن من السهل كما هو وضعنا الحالي. أصبحت المعلومات تأتي إلينا بسرعة الضوء (671 مليون ميلا في الساعة). يمكننا أن نتفق جميعًا على أن البيانات والمعلومات المتاحة تصبح عديمة الفائدة إذا كان لا يمكن معالجتها لتخدم المعرفة والابتكارات.
وعودة إلى المقدمة
“… الجامعة ، بأي معنى جدير لهذا المصطلح ، يجب أن تنمو من البذرة. لا يمكن زراعتها من إنجلترا أو ألمانيا كاملة الأوراق وحاملة. …عندما تظهر الجامعة الأمريكية فإنها لن تكون نسخة عن معهد أجنبي، أو نبات السرير الساخن ، ولكن ثمرة بطيئة وطبيعية، نمت من العادات الاجتماعية والسياسية الأمريكية … الكلية الأمريكية هي مؤسسة لا مثيل لها ؛ ستكون الجامعة الأمريكية أصلية بنفس القدر”
ومن منظور جامعي فردي ، لم تعد تخدم الجامعة مواطن محلي في منطقة محدودة، لتلبية الإحتياجات الإقليمية. ستُجبر الجامعات تقريبًا ، إن لم تكن مجبرة، على تلبية احتياجات عالمية، وسوف تتداخل الجغرافيًا والمسافة مع اتجاه الإنترنت وسرعة الضوء وحكمة الناس، مع جامعات أخرى بعيدة.