هل شخصية دراكولا حقيقية أم خيالية؟
فلاد المُخَوزِق( Vlad the Impaler)
والمعروف أيضًا باسم: فلاد زيبيش، فلاد الثالث، فلاد الثالث دراكوليا
مقدمة
وُلد فلاد الثالث، «ڤويڤود» ، أحد أفراد عائلة دراكوليشتي التي تُمثّل بدورها فرعًا من أفرع عائلة باسراب المتشعّبة، والذي اشتُهر بلقب دراكولا قبل أن يُطلق عليه اسم فلاد المخوزِق في مقاطعة سيغيشوارا بإقليم ترانسيلفانيا التابع لمملكة المجر (ويتبع الآن دولة رومانيا الحالية) في شتاء عام 1431. كان فلاد هو الإبن الثاني من بين أربعة أشقاء ولدوا في عائلة فلاد الثاني دراكول النبيلة. تم اشتقاق دراكولا، بمعنى ابن دراكول، من الكلمة اللاتينية الدراكو، والتي تعني التنين, وكلمة دراكولا تعني حرفيا ابن التنين. وحصل والده على هذا اللقب، دراكول، في عام 1431 بعد أن أصبح عضوا بارزا في التنظيم السري والذي كان يدعى تنظيم التنين، الذي أسسه الإمبراطور الروماني المقدس زيغموند، عام 1408، بالتعاون مع باقي ملوك وأمراء أوروبا لحماية المسيحية في أوروبا الشرقية من المد العثماني المسلم.
أقدم الصور الشخصية الباقية لفلاد الثالث على الإطلاق
معيشته في أدرنة
انتقل فلاد إلى تارغوفيت، الأفلاق، في عام 1436 عندما تولى والده، فلاد الثاني دراكول، قيادة الإمارة ، وظل حاكمًا عليه حتى تمت إزاحته عن العرش من خلال مؤامرات تم ترتيبها بين خصومه في الأفلاق وملك المجر في ذلك الوقت فلاديسلاف الثالث عام 1442، ومع ذلك عاد فلاد الثاني لاعتلاء عرش الأفلاق الذي انتزعه من بين يدي باسراب الثاني وحلفائه من البويار، وذلك بمساعدة السلطان العثماني أنذاك مراد الثاني بعدما اتفق معه على دفع الجزية للدولة العثمانية. و في عام 1442، أرسل فلاد الثاني ولديه الشرعيين؛ فلاد وشقيقه الأصغر رادو إلى البلاط السلطاني العثماني كرهائن لدى السلطان مراد الثاني كضمان لطمأنة السلطان بأن والدهما، في عكس موقفه السابق، سيدعم السياسات العثمانية.
خلال تلك الفترة التي قضاها فلاد الثالث في أدرنة مع الأمير محمد الثاني، ابن السلطان مراد الثاني، تمكّن الأمير الشاب من دراسة علوم المنطق والقرآن والأدب وكذلك التركية العثمانية حتى أتقن هذه اللغة خلال السنوات الأخيرة التي قضاها في البلاط السلطاني، كما تدرّب على الفروسية وفنون الحرب.
عاد فلاد في عام 1448، بعد أن أُبلغ باغتيال والده وشقيقه الأكبر على يد نبلاء (البوير) الأفلاق في العام السابق. جلس فلاد الثالث ليحتل مكان أبيه على عرش الأفلاق، فيما بقى رادو أسيرًا للبلاط السلطاني العثماني. خلال تلك الفترة، اتخذ المستشار البيزنطي ميخائيل دوكاس قرارًا بضرورة تلقي أبناء الأمراء والنبلاء في الأفلاق تعليمًا راقيًا على أيدي معلمين متخصصين من الرومان واليونانيين يتم تعيينهم بناءَا على أوامر مباشرة القسطنطينية، وعليه درس فلاد الثالث الفنون القتالية والجغرافيا والرياضيات والعلوم والفلسفة والفنون، علاوة على العديد من اللغات كالألمانية واللاتينية والسلافونية الكنسية القديمة.
البنية الجسدية
لم يكن فلاد طويل القامة، لكنه ممتلئ الجسم وقوي، بمظهر بارد ومخيف وأنف قوي وأكويلين وفتحات أنف متورمة ووجه نحيف ومحمر كانت فيه الرموش الطويلة تؤطر عيون خضراء واسعة ومفتوحة على مصراعيها؛ الحاجبين الاسود الكثيف جعلهما يبدوان مهددين. حلق وجهه وذقنه ولكن لشارب. زادت المعابد المنتفخة من الجزء الأكبر من رأسه. ربط رقبة ثور برأسه حيث كانت الأقفال السوداء المتعرجة تتدلى على شخصه عريض الكتفين.
الصورة الوحيدة التي رُسمت لفلاد الثالث أثناء حياته.
حملات فلاد مدى الحياة
شرع فلاد في أول سلسلة من الحملات مدى الحياة لاستعادة مقعد والده. وكان من بين خصومه النبلاء وكذلك شقيقه الأصغر، رادو، الذي كان يدعمه السلطان العثماني. خرج منتصرا لفترة وجيزة في عام 1448 ولكن أطيح به بعد شهرين فقط. بعد صراع دام ثماني سنوات. طالب فلاد مرة أخرى بالقلاع التي كان يحكمها . كان حاكما عسكريا (أو أميرا) لإمارة فالاشيا بالرومانية، أو والاشيا بالانجليزية، أو الأفلاق بالتركية (1448 ؛ 1456–1462; 1476). تقع إمارة الأفلاق على نهر الدانوب السفلي، والتي انضمتِ في عام 1859 إلى مولدافيا لتشكيل دولة رومانيا.
استمر مكوث فلاد الثالث في المجر حتى ما بعد سقوط القسطنطينية على يد محمد الثاني في 29 مايو 1453، بعدها تعاظم المد العثماني في تلك المنطقة عن طريق إمارات الكاربات مهددًا بر أوروبا الرئيسي بالكامل، حتى أتم العثمانيون غزو شبه جزيرة البلقان عام 1481، لتضع نهاية لفترة حكم سلالة فلاد الثالث بأكملها خلال ثلاثة عقود قضتها الدولة العثمانية في محاولة السيطرة على منطقة البلقان.
وبعد ثلاثة أعوام من غزو القسطنطينية، حاولت الجيوش العثمانية إضعاف المملكة المجرية عن طريق محاصرة بلغراد عام 1456، في ذلك الوقت، وجد «يوحنا هونيادي» نفسه مضطرًا لمغادرة المجر وشن غارات مضادة في صربيا نجح من خلالها في رفع الحصار عن بلغراد، من جانبه استغل فلاد الثالث تلك الاضطرابات في العودة مرة أخرى إلى الأفلاق حيث قاد عشيرته لاسترداد ملكه والقضاء على فلاديسلاف الثاني، حيث تمكّن منه فلاد الثالث وقتله ليسترد عرشه للمرة الثانية في 22 أغسطس 1456.
عاد فلاد الثالث إلى الأفلاق ليجد بلادًا مهترئة مزقتها الحرب، تضج بالجرائم، قلت بها المساحات المزروعة وانعدمت التجارة داخلها أو من خلالها في الوقت الذي كان فلاد الثالث فيه في أمس الحاجة لاقتصاد داخلي قوي يعينه على مواجهة خطر أعدائه، سواء الداخليين منهم كالبويار وأعضاء عائلة دانشتي أو الخطر العثماني المُحدق به خاصة مع تداعي المملكة المجرية من جهة، وانهيار الإمبراطورية الرومانية الشرقية قبل بضع سنين من جهة أخرى، وعليه انتهج فلاد الثالث العديد من السياسات المتشددة من أجل إعادة النظام والنهوض بالبلاد اقتصاديًأ، بناءً على هذا وضع فلاد ثلاثة أهداف سعى لتحقيقها خلال جلوسه على عرش البلاد، وتمثّلت هذه الأهداف في إعادة بناء اقتصاد البلاد، وتعزيز دفاعاته الداخلية وإعادة تحصين الأفلاق، علاوة على توطيد حكمه في البلاد.
لماذا سمي باسم فلاد المُخَوزِق؟!
اكتسبت أساليبه القاسية في معاقبة أعدائه سمعة سيئة في أوروبا في القرن الخامس عشر.
على الجانب الأخر، تشير كنية فلاد الثالث تْيبِش – Țepeș («المخوزِق») للإشارة إلى طريقته المفضلة للإعدام، وهي الكنية التي التصقت به بعد وفاته وتحديدًا قرابة عام 1550، إلا أنه عُرف سابقًا لدى العثمانيين باسم Kazıklı Voyvoda وتعني حرفيًا «الأمير المُخَوزِق» خاصة أثناء حملة السلطان محمد الثاني على الأفلاق ومشاهدته لضحايا فلاد الثالث الذين تم إعدامهم وتُركت جثثهم مُعلّقة على الخوازيق ومتروكة في الغابات بطول الطريق المؤدي للأفلاق لإرهاب أعدائه.
فخلال فترة حكمه، ارتكب الفظائع التي اشتهر بها، و خاصة ولعه بخوزقة أعدائه بعد وضعهم على عصي مدببة من الأعلى و مغروسة في الأرض وتركهم يموتون، مما أكسبه لقب فلاد المخوزق. حيث أظهرت العديد من المطبوعات والمنشورات الألمانية، خلال الفترة ما بين أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر، مشاهد لفلاد الثالث يتغذى على وليمة في إحدى الغابات خارج براشوف، وقد امتلئت بالجثث المرفوعة فوق الخوازيق، كما أظهرت النقوش صورة لجلاد يقطّع ضحايا أخرين أحياء، كما أوردت المصادر التاريخية ارتداد الجيش العثماني عن هجومه بعد رؤية ما يقرب من 25,000 جثة لجنود عثمانيين أخرين ورعايا الدولة العثمانية من البلغاريين وقد تعفنت جميعها على الخوازيق المتراصة بطول ضفتي الدانوب، كما لم تنفي المصادر، سواء العثمانية أو الرومانية، تراجع السلطان محمد الثاني، المعروف ببراعته في الحرب النفسية، عن هجومه على العاصمة الأفلاقية ترغوفيشت عام 1462 بعد رؤية جثث 20,000 من جنوده علاوة على قائده السابق حمزة باشا وقد تُركت للتعفّن والجوارح من الطيور، خارج أبواب المدنية.
تناول فلاد الثالث لطعامه بغابات براشوف محاطًا بالجثث المخوزقة
لقد مارس هذا النوع من التعذيب على أعدائه من الأجانب والمحليين على حد سواء. والجدير بالذكر أنه أثناء انسحابه من معركة عام 1462، ترك ميدانًا مليئًا بالآلاف من الضحايا المخوزقين كرادع لملاحقة القوات العثمانية. في ذلك العام نجا من القبض عليه من قبل العثمانيين بمساعدة القوات المجرية وسجنه ماتياس الأول، ملك المجر، الذي طلب مساعدته. استعاد فلاد مقعده عام 1476 لكنه قُتل في معركة في نفس العام. وظل بطلاً شعبيًا في المنطقة لجهوده ضد الزحف العثماني. توفي في عام 1476، شمال بوخارست الحالية، رومانيا، عن 45 سنة. يُعتبر فلاد الثالث واحد من الأبطال القوميين في بلغاريا نظرًا لما عُرف عنه من حماية الأقليات البلغارية المتمركزة في شمال وجنوب سهول نهر الدانوب، مما دفع العديد من عوام البلغار ونبلائهم على حد السواء، إلى الهجرة من شمال الدانوب إلى الأفلاق ومبايعتهم له والمشاركة معه في حملاته ضد العثمانيين. يرجع إطلاق لقب المخوزِق على فلاد الثالث بسبب استخدامه الخازوق في التعذيب والتخلّص من أعدائه وأسرى الحرب مما أعطاه شهرة تاريخية واسعة، وذاع صيته متخطيًا حدود إمارته ليصل حتى الإمبراطورية الرومانية المقدسة غربًا ودوقية موسكو شرقًا، ثم سرعان ما انتشرت في شتى أرجاء القارة الأوروبية، ويُقدّر عدد ضحايا فلاد الثالث ما بين 40,000 و100,000 فرد، يقارب تمامًا العدد الإجمالي لأربعة قرون من قتلى محاربة الساحرات في أوروبا،وبحسب المصادر الألمانية، تشير التقديرات لما يقرب 80,000 ضحية لفلاد الثالث كحد أدنى، هذا بخلاف القرى والحصون التي أحرقها عن أخرها. كما مثّلت شخصية «فلاد الثالث دراكولا» النواة التي نسج حولها الروائي الإنجليزي برام ستوكر شخصية كونت دراكولا، مصاص الدماء الأشهر، في روايته الصادرة عام 1897 تحت عنوان «دراكولا».
لقاء رسل السلطان العثماني بفلاد الثالث
الحرب ضد العثمانيين
في عام 1459، نادى الأب بيوس الثاني بحملة صليبية جديدة ضد الدولة العثمانية ، وفي بداية عام عام 1460 استقرّ الرأي على أن يقود ماتياس كورفينوس ملك المجر وكرواتيا وابن “يوحنا هونيادي” هذه الحملة والتي خُطط لها الاستمرار لثلاثة أعوام متتالية، على أن يدعمه البابا بأربعين ألف قطعة نقود ذهبية، وهوما كان كافيًا لحشد جيش قوامه إثني عشر ألف رجلًا وشراء عشر سفن حربية، ولم تنجح المساعي الباباوية في جمع تأييد ملوك أوروبا للحملة على العثمانيين، والتي لم تجد تأييدًا صادقًا سوى من فلاد الثالث والذي عرض على ماتياس كورفينوس الانضمام لجانبه في محاولة للإبقاء على استقلال الأفلاق، مما زاد من أسهم فلاد الثالث لدى البابا.
وفي عام 1460، ألقت القوات العثمانية القبض على ميخائيل زيلاغي وصي عرش المجر، وحليف فلاد الثالث الوحيد، أثناء عبوره الأراضي البلغارية، واقتيد بصحبة رجاله إلى القسطنطينية، حيث تم تعذيب جنوده حتى الموت، بينما أمر السلطان محمد الثاني بإعدام زيلاغي بنشره حيًا إلى نصفين، ومع نهاية العام نفسه، أرسل السلطان العثماني محمد الثاني رسله إلى فلاد الثالث لمطالبته بدفع الجزية المتأخرة عليه منذ عام 1459 والمٌقدرة بعشرة ألاف دوقت علاوة على تقديم الأفلاق لخمسمئة من أبنائها للعمل كإنكشاريين في صفوف الجيش العثماني، من جانبه، رفض فلاد شروط السلطان العثماني لقناعته بأن قبول تلك الشروط واستمراره في دفع الجزية يعني قبوله ضمنيًا بالوصاية العثمانية على الأفلاق، في الوقت الذي باتت فيه استقلالية الأفلاق الشغل الشاغل له، وهو ما حارب فلاد من أجله، وكذلك الغالبية العظمى من أخلافه وأسلافه، وظل تعامل فلاد مع رسل السلطان العثماني سببًا في انهيار العلاقة بين الأفلاق والدولة العثمانية تمامًا، حيث أمر فلاد بتسمير عمائم الرسل على رؤوسهم بمسامير حديدية بعد أن رفضوا خلعها في حضرته احترامًا وإجلالًا، كما أرسل فلاد الثالث خطابًا لسكسون ترانسيلفانيا بتاريخ سبتمبر 1460، محذرًا إياهم من غزو محمد الثاني المتوقع للبلاد وطالبًا منهم العون خلال حربه ضد الجيوش العثمانية، التي عبرت بالفعل نهر الدانوب وبدأت في جمع الأفراد قسرًا وإرسالهم لمعسكرات التدريب، وهو ما لم يرق لفلاد الثالث الذي تحرك بجنده مهاجمًا القوات العثمانية، والقى القبض على العديد من أفرادها وأمر بإعدامهم خزقًا، واستمرت المناوشات بين أمير الأفلاق والقوات العثمانية حتى عام 1461 عندما عرض عليه السلطان محمد الثاني الحضور إلى القسطنطينية للتفاوض.
ومع نهاية نوفمبر 1461، أرسل فلاد الثالث خطابا للسلطان العثماني مفاده عجزه عن الاستمرار في دفع الجزية، بعدما أتت الحرب ضد سكسون ترانسيلفانياما على كافة موارد البلاد، كما أوضح إليه عدم قدرته على مغادرة الأفلاق مخافة انتهاز ملك المجر للفرصة والهجوم على البلاد أثناء غيابه، منهيًا الخطاب بقطع عهود بإرسال ذهب للسلطان العثماني متى توافرت لديه الموارد، كما عرض على السلطان العثماني أن يوفد باشا يحكم الأفلاق باسم فلاد الثالث ما إذا ما أراد السلطان حضوره إلى القسطنطينية، وبعد وصول كتاب فلاد الثالث للسلطان العثماني، حصل الأخير على معلومات استخباراتية عن تحالف فلاد الثالث مع ملك المجر وكذب ادعائات فلاد الثالث بالخوف من انقلاب ملك المجر عليه واحتلاله الأفلاق، ولهذا قرر السلطان محمد الثاني إرسال بگ نيكوبوليس، حمزة باشا، لعقد لقاء مع فلاد الثالث في جورجيو، كما أمر السلطان العثماني مبعوثه بالانقضاض على أمير الأفلاق هناك واستياقه أسيرًا إلى القسطنطينية، وبالفعل، توجه حمزة باشا على رأس قوة قوامها ألف فارس لتنفيذ المطالب السلطانية، غير أن تلك المعلومات قد سبقت وصول المبعوث العثماني لفلاد الذي أصبح على دراية بالنوايا الحقيقية للعثمانيين، فقام بحشد جنوده لشن هجوم خاطف على القوات العثمانية، والتي انتظرها عند الممرات الجبلية شمال جورجيا، حيث شن هجومه المفاجئ على الفرسان العثمانيين المحاصرين بين الممرات الجبلية الضيقة، ونجح في تطويق القوات العثمانية والفتك بالعديد من أفرادها باستخدام المدافع اليدوية، والقبض على المتبقي منهم وفي مقدمتهم قائدهم حمزة باشا، فأمر بإعدمهم جميعًا على خوازيق، جاعلًا أطولها للقائد حمزة باشا للدلالة على علو رتبته، وتشير المراجع إلى أن فلاد الثالث يعد أول من استخدم البارود في الحملات الصليبية بطرق مبتكرة للقتل، وقد أرسل فلاد الثالث خطابًا لكورفينوس بتاريخ 2 فبراير 1462، يخبره فيه بانتصاره على القوات العثمانية وأسر قائدها، بعدها، توجّه لحصن جورجيو، حيث عسكرت باقي القوات العثمانية، واستخدم اتقانه للسان العثماني وتنكره في هيئة سيپاهي، فأمر الجنود بفتح أبواب الحصن، وبعد امتثال الجنود لأوامره، اجتاح فلاد الثالث الحصن ودمره عن أخره وقتل من فيه من جنود، بعدها قرر الانتقام من السكان الذين قدموا الدعم للقوات العثمانية، فبدأ بجنوب الأفلاق، بعدها عبر نهر الدانوب المتجمّد إلى بلغاريا، ومع وصوله لبلغاريا، قسّم فلاد الثالث قواته لفرق صغيرة، مما ساعده على تغطية مساحة 800 كيلومترًا من الأراضي البلغارية في إسبوعين، أودى خلالهما بحياة ما يقرب من 25,000 تركي ومسلم بلغاري، وقد أرسل خطابًا أخرًا لكورفينوس بتاريخ 11 فبراير 1462 يحدثه عن انتصاراته الجديدة، جاء فيه:
“قتلت الفلاحين في أوبلوكيتزا ونوڤوسيلو؛ رجالًا وإناثًا، شيوخًا وأطفالًأ، كذلك المتواجدون عند مصب الدانوب وحتى راهوڤا، على مقربة من كيليا، ومن الدانوب السفلي حتى ساموڤيت وغيغن، قتلنا 23,884 من الأتراك، دون إحصاء هؤلاء الذين أحرقناهم داخل منازلهم أو قاموا جنودنا بقطع رقابهم، وعليه جلالتك، لك أن تعلم أنني نقضت سلامي معه (أي السلطان محمد الثاني)”. |
وفور وصول تلك الأنباء لمسامع السلطان العثماني، الذي كان مشغولُأ بحصار كورينث، فقام بإرسال الصدر الأعظم، محمود باشا، على رأس قوة قوامها 18,000 جندي لتدمير مدينة برايلا الوالاكية الساحلية، إلا أن فلاد الثالث نجح في الارتداد سريعًا إلى المدينة وتمكن من الانتصار على القوات العثمانية، والتي ذكرت المصادر التاريخية نجاة 8,000 فرد منها فقط.
انتشرت أخبار انتصارات فلاد الثالث في كافة أرجاء العالم المسيحي، وعمّت الاحتفالات في كافة المدن الساكسونية بإقليم ترانسيلفانيا، وإيطاليا، والدولة البابوية، حيث ساهمت انتصارات فلاد الثالث في رفع الحصار عن كورينث، كذلك نجاة كافا والقرم بأكملها من غزو بحري متوقع من جانب السلطان العثماني، الذي آثر الارتداد إلى الأناضول، لتحضير جيش كبير يقوده بنفسه للقضاء على أمير الأفلاق.
السلطان العثماني محمد الثاني (الفاتح)، أعتى خصوم فلاد الثالث على الإطلاق.
أرسل السلطان العثماني رسله إلى كافة أنحاء السلطنة لحشد القوات والزحف بهم نحو الأفلاق لاستردادها من يد فلاد الثالث، حيث أمر السلطان العثماني جنوده بالتحرك أحد في شهر أيار من عام 1462، و قدّر عدد القوات العثمانية بنحو 60,000 جندي نظامي بالإضافة إلى 30,000 غير نظامي، كما جعل السلطان محمد الثاني، الأمير رادو الوسيم، شقيق فلاد الثالث، على رأس قوة مكونة من 4,000 من الفرسان.
من جانبه، توجه فلاد الثالث لملك المجر، كورفينوس، طالبًا منه العون، وتأكيدًا على صدق نواياه، عرض فلاد الثالث على ملك المجر أن يتحول من الأرثوذكسية إلى الكاثوليكية، ومع ذلك، لم ينل فلاد الثالث أي دعم من كورفينوس، فنادى بالتعبئة العامة في البلاد، ولم يقتصر الانضمام للجيش على الذكور في سن تأدية الخدمة العسكرية فحسب، بل امتد ليشمل النساء والأطفال من سن الثانية عشر ووحدات من العبيد ذوي الأصول الغجرية، وكان قوام قوات الأفلاق بما يتراوح بين 22,000 و30,900 مقاتل، وساد العرف أن عدد القوات لم يزيد عن 30,000 مقاتل فقط، أغلبهم من الفلاحين ورعاة الماشية، في ظل وجود عدد محدود من البويار على صهوات الجياد، مسلحين بالحراب والسيوف والخناجر وتغطيهم الدروع المسلسلة، كما شارك في المعركة الحرس الشخصي لفلاد الثالث الذي ضم بين صفوفه مرتزقة وغجر من مناطق مختلفة.
المعركة
مع بداية المعارك، حاول الجيش العثماني إقامة معسكره عند مدينة فيدن، إلا أنه فر مدحورًا بعد أن ردته سهام الرماة الوالاكيين، وفي 4 يونيو 1462، نجحت فرقة من الانكشاريين في احتلال مدينة تورنو سيفيرين بعد مقاومة من القوات الولاكية أودت بحياة 300 جندي عثماني، بعدها استمر الجيش العثماني في التقدم في ظل اتباع فلاد الثالث وجنوده لسياسة الأرض المحروقة، كما قام بتسميم المياة وخلق المستنقعات لتعطيل تقدم القوات العثمانية عن طريق تحويل مجاري الجداول والأنهار الصغيرة، كذلك قام بتصميم الفخاخ والمصائد الأرضية، كما عمد إلى تهجير أهالي القرى وحيواناتهم إلى المناطق الجبلية بعيدًا عن متناول القوات العثمانية، التي استمرت في التقدم لمدة سبعة أيام كاملة دون مأكل أو مشرب، من جانبه اتبع فلاد الثالث أسلوب حرب العصابات ضد القوات العثمانية، كما أرسل العديد ممن يعانون من أمراض فتاكة كالجذام والسل والزهري وبصورة أكبر هؤلاء الذين يعانون الطاعون الدبلي لمعسكرات العثمانيين لنشر الأوبئة بين الجنود، وهو ما حدث بالفعل، حيث انتشرت عدوى الطاعون بين الجنود العثمانيين بصورة وبائية، من جانبه قام الأسطول العثماني بشن هجمات ضد مدينتي برايلا وكيليا الساحليتين ولكن دون فائدة تُذكر، خاصة بعد تدمير فلاد الثالث لغالبية الموانئ البحرية العثمانية في بلغاريا.
معركة ذات المشاعل وهجوم قوات فلاد الثالث على معسكر العثمانيين
استمر تقدم العثمانيين صوب ترغوفيشت بعد فشلهم في اقتحام قلعة بوخارست وجزيرة سناعوف الحصينة، وفي 17 يونيو، شن فلاد الثالث هجومًا ليليًا على معسكر العثمانيين باستخدام قوات يتراوح عددها بين 7,000 و10,000 خيّال بغية اعتيال السلطان العثماني، فبعدما عسكرت القوات العثمانية جنوب العاصمة الوالاكية، يذكر المؤرخ اليوناني خالكونديليس نجاح فلاد الثالث التسلل داخل معسكر العثمانيين متنكرًا في هيئة جندي عثماني، ومن خلال جولته داخل المعسكر تمكّن من تحديد موقع الخيمة السلطانية، ومن ثمّ، اختار فلاد الثالث أن يقوم بهجومه ليلًا خاصة مع علمه بالنظم العسكرية العثمانية والتي تمنع تواجد الجنود خارج خيامهم بعد حلول الظلام،واستمرت المناوشات منذ الساعة الثالثة بعد حلول الظلام وحتى الرابعة من صباح اليوم التالي، ليخلق حالة من الفوضى العارمة داخل معسكر العثمانيين، حث شن الوالاكيين أكثر من سلسلة واحدة من الهجمات، في الوقت نفسه، قام الانكشاريون بهجوم مضاد على القوات الوالاكية للحد من الخسائر العثمانية في المعركة، والتي بلغت قرابة 15,000 جندي مقابل 5,000 جندي والاكي.
أمر السلطان محمد الثاني جنوده، باستكمال المسير صوب ترغوفيشت ومحاصرتها، وعند الوصول إليها، وجد أبواب المدينة مفتوحة على مصرعيها وقد هجرها من فيها، فدخل العاصمة بصحبة جنوده، وسار لمدة نصف ساعة في طرقات المدينة التي زُيًنت جنباتها بجثث أكثر من 25,000 جندي عثماني ومسلم بلغاري، موضوعة كلها على خوازيق ، حيث تشير المصادر العثمانية تحديدًا أن السلطان محمد الثاني سار مسافة 60 ميلًأ قبل الوصول لترغوفيشت في طريق تحيط به جثث الجنود الأتراك والأسرى البلغاريين من الجانبين، ولكن يبقى مؤكدًا أن السلطان لم يحتمل هول ما رأى، حيث أمر جنوده بالمبيت هذه الليلة خارج ترغوفيشت، وحفر خندق عميق حول المعسكر مخافة تعرضه لهجوم أخر مثلما تعرّض له سابقًا، وفي صباح اليوم التالي، 22 يونيو، أصدر السلطان أوامره بالانسحاب.
واستمر انسحاب القوات العثمانية حتى وصلت لمدينة برايلا في 29 يونيو، والتي أمر السلطان العثماني بإحراقها عن أخرها، بعدها أمر بالإبحار صوب أدرنة عاصمة العثمانيين والتي وصلها في 11 يوليو، وفي اليوم التالي لوصوله، أمر السلطان محمد الثاني بإقامة الاحتفالات ابتهاجًا بنصره العظيم على فلاد الثالث، وتسيير المواكب التي ضمت العديد من النساء والأطفال الذين تم استرقاقهم من الأفلاق، بخلاف 200,000 من رؤوس الماشية والخيول.
رادو الوسيم، الشقيق الأصغر لفلاد الثالث، وعميل الدولة العثمانية في الأفلاق.
الهزيمة
على الرغم من رحيل السلطان محمد الثاني عن الأفلاق، إلا أنه أبقى على رادو سل فروموس في البلاد على رأس قوات من فرسان السپاهية والجنود الإنكشاريين، للقضاء على فلاد الثالث نهائيًا، في مقابل ذلك لم يقف السلطان العثماني عن دعم قوات رادو بالأموال أو العتاد، مما ساعدهم على الاستمرار في الحرب ضد فلاد الثالث والتوغل داخل مملكته حتى تسنى لهم محاصرة قلعة بويناري، معقل فلاد الثالث، والذي على الرغم من ذلك، تمكن من الفرار منها بعد انتحار زوجته، التي فضّلت إلقاء نفسها من أسوار القلعة عن الوقوع في أسر القوات الموالية للدولة العثمانية، وبنهاية الحصار وفرار فلاد الثالث، منح السلطان العثماني لقب «بگ الأفلاق» لرادو وأجلسه على عرش البلاد.
وترجع هزيمة فلاد الثالث في حربه لتعاون البويار مع رادو، الذي نجح في استمالتهم بعد أن نكّل بهم فلاد الثالث من قبل، حيث تمكن رادو من اقناعهم بعودة الامتيازات التي تمتعوا بها سابقًا حال التخلص من فلاد، علاوة على اقتناع البويار أنفسهم أن السلطة العثمانية على الأفلاق ستكون أشد وطئًا من نظيرتها المجرية، مما شجعهم على قبول شروط رادو وتقديم الدعم له.
وبحلول 9 سبتمبر، حقق فلاد ثلاثة انتصارات متتالية على القوات العثمانية بقيادة رداو، ولكن استمرار القتال أتى على كل ما بقى لديه من نقود، ومن ثمّ لم يتمكن من دفع رواتب جنوده المرتزقة، فسافر إلى المجر طالبًا العون من الملك كورفينوس، الذي بدوره لم يكن ينوي الدخول في حرب ضد الدولة العثمانية، فلم يقدم لفلاد أي دعم، بل ألقى القبض عليه وزج به في السجن بتهمة الخيانة العظمى، بعد أن زوّر كورفينوس خطابَا للسلطان محمد الثاني يدعوه فيه إلى السلام، ونسبه لفلاد الثالث، مما يُعطى كورفينوس الفرصة في الاستئثار بأموال الدولة البابوية التي أُرسلت إليه مُسبقًا والعودة إلى المجر دون حرب.
الأسر في المجر
سٌجن فلاد الثالث لفترة في حصن أوراتيا، نُقل بعدها إلى فيشغراد شمال بودا على الضفة الشرقية لنهر الدانوب، حيث قضى عشر سنوات، قبل نقله مرة أخيرة للسجن في بودا.
وكغيرها من التفاصيل الكثيرة في حياة فلاد الثالث، لا تزال فترة سجنه موضع نقاش بين المؤرخين، وإن ساد الاعتقاد أنها خلال الفترة ما بين عامي 1462 و1474، في الوقت الذي أظهرت فيه المخاطبات الدبلوماسية الصادرة عن بودا للدولة البابوية أن فلاد الثالث لم يقضي سوى أشهر معدودة في الأسر، كما أن سياسات رادو سل فروموس وتبعيته للدولة العثمانية كان لها أشد الأثر في سرعة إطلاق سراح فلاد الثالث لتشجيعه على الانقضاض على عرش الأفلاق مرة أخرى، علاوة على دور الوساطة الذي لعبه شتيفان سل مارى، ڤويڤود مولدوفا، لإطلاق سراح ابن عمه، خاصة بعد تعاظم الخطر العثماني على الأراضي الواقعة شمال الدانوب.
التحول إلى الرومانية الكاثوليكية
تحوّل فلاد الثالث من الأرثوذكسية إلى الكاثوليكية عام 1475 خلال فترة سجنه في المجر، حيث عرض عليه العاهل المجري التحول عن عقيدته الأرثوذكسية والزواج من الكونتيسة إيلونا زيلاغي، ابنة عم كورفينوس، وهو ما لقى قبولًا من جانب فلاد الثالث الذي كان شغله الشاغل العودة إلى الأفلاق واسترداد عرشه.
مدخل الضريح المزعوم لفلاد الثالث، سناغوف، رومانيا.
مقتل فلاد
بعد وفاة رادو المفاجئة عام 1475، أعلن فلاد قيام دولته الثالثة في 26 نوفمبر 1476، وبدأ في تجميع قوات من المواليين له والاستعداد لغزو الأفلاق بدعم مجري من كورفينوس، غير أن مُلكه الأخير على الأفلاق لم يدم سوى أقل من شهرين، بعد وفاته في معركة ضد العثمانيين بالقرب من بوخارست، والي اليوم لم يُعرف تحديدًا وقت وفاته، ولا موقع تلك المعركة، الذي ظل مجهولًا هو الأخر، ولم يُعرف سوى يوم الإعلان عن وفاته، الذي وافق 10 يناير 1477، ومن الأرجح أن تكون وفاته في الأيام الأخيرة لديسمبر 1476، كما يُعتقد أن حادثة الاغتيال وقعت على الطريق الرابط بين بوخارست وجورجيو، جدير بالذكر، أنه تم فصل رأس فلاد الثالث عن جسده، حيث أُرسلت الرأس للسلطان العثماني محمد الفاتح، الذي قام بعرض الرأس على خازوق خشبي في العاصمة العثمانية أدرنة، بينما قام غريم فلاد الثالث، باسراب العجوز، بدفن ما تبقى من جثة خصمه، بدون أية مراسم جنائزية، في كومانا على الأرجح، داخل الدير الذي أسسه فلاد الثالث بنفسه عام 1461، وقد هًدم هذا الدير وأُعيد بنائه من جديد عام 1589. ولا تزال طريقة وفاة فلاد الثالث محل بحث المؤرخين، الذين انتهوا إلى ثلاث نظريات، وإن يصعب ترجيح أحدهم لندرة أو انعدام الوثائق التاريخية المرجحة لأي منهم؛ حيث تشير النظرية الأولى لتعرّض فلاد الثالث لحادث اغتيال على يد أحد البويار المناوئين له وهو على وشك الانتصار في المعركة، وهي النظرية الأوسع قبولًا بين الأوساط الرومانية، في حين تقترح النظرية الثانية هزيمة فلاد الثالث في معركته ضد العثمانيين ومقتله في أرض المعركة، وهي نظرية محدودة، خاصة وإن التجارب السابقة أثبتت قدرة فلاد الثالث على التعامل مع القوات العثمانية من خلال الانتصارات المتوالية التي حققها عليهم سواء في ترانسيلفانيا أو بلغاريا وحتى الأفلاق، وأخيرًا النظرية الثالثة الداعية لانتصار فلاد الثالث في معركته ضد العثمانيين ومع ذلك تعرّض للقتل على يد أحد الجنود، وهو أمر غير مقبول منطقيًا، فحتى وإن لقى حتفه على يد أحد الجنود، فإن البقية من جنوده لم يكونوا ليسمحوا بفصل رأس ملكهم عن جسده وإرساله إلى السلطان العثماني محمد الفاتح.
أما بخصوص مكان الدفن، فقد أرسى المؤرخون الرومانيون اعتقادًا، خلال القرن التاسع عشر، بأن رفات فلاد الثالث مدفونة في دير بجزيرة سناغوف القريبة من بوخارست، دون أي وثائق تاريخية تدعم هذا الاعتقاد، معتمدين فقط على أطروحات تدعي بأن فلاد الثالث هو مؤسس هذا الدير، حتى جاء عالم الآثار الروماني ألكسندر أودوبيسكو، عام 1855، ليؤكد بطلان هذا الادعاء، من خلال دراساته التاريخية، وأعمال الحفرية، التي أكّد من خلالها رجوع تاريخ بناء الدير لما قبل عام 1438، وهو ما أكدته فيما بعد الأعمال الحفرية التي قام بها دينو روسيتي خلال الفترة ما بين يونيو وأكتوبر 1933، والتي أرجعت تاريخ الدير إلى نهاية القرن الرابع عشر، أي قبل ميلاد فلاد الثالث، كما أظهرت الحفريات عدم وجود قبر أسفل شاهد القبر المُزعم أن يكون شاهد قبر فلاد الثالث داخل الدير، وهو ما أورده روسيتي في نتائج أبحاثه التي نشرها عام 1935، والتي جاء فيها إن ما عُثر عليه من عظام أسفل الشاهد المُزمع لم يكن سوى عظام خيول، ولا وجود لأي عظام آدمية.
وفي عام 1970، نشر الصحفي سيميون سافيانو مقالًا بمناسبة مرور خمسمئة عام على وفاة فلاد الثالث، أكد فيه العثور على قبر ثان، غير مُسمى، داخل دير سناغوف، يُعتقد أنه للأمير الأفلاقي، إلا أن المؤرخيين الرومانيين المعاصرين يرجحون فرضية دير كومانا كمثوى أخير لفلاد الثالث.
فلاد الثالث في صورة بيلاطس البنطي مُحاكمًا يسوع، الغاليري الوطني، ليوبليانا
.
فلاد الثالث في صورة حاكم باتراس الروماني، إيغياس، يأمر بصلب أندراوس، غاليري بلڤيدير، ڤيينا.
ا
أقدم الصور الشخصية الباقية لفلاد الثالث على الإطلاق
[
تناول فلاد الثالث لطعامه بغابات براشوف محاطًا بالجثث المخوزقة
صوؤة فلاد في موروث الثقافة الشعبية
أشتُهر فلاد الثالث بساديته أثناء حياته، فعرفه الجميع طاغية يتلذذ بالتعذيب والقتل، حتى الصور الشخصية المرسومة له لم تكف عن تصويره بصورة أقسى الجلادين والحكام، وبعد وفاته انتشرت فظائعه وقسوته من خلال المنشورات المطبوعة في ألمانيا، والتي استمرت طباعتها طوال الفترة الممتدة بين العقد الثامن للقرن الرابع عشر وحتى العقد السادس للقرن الخامس عشر، كما وصلت أخباره حتى روسيا القيصرية ولكن بصورة أخف وطأة من تلك في ألمانيا، ومع ذلك جعلت هذه المنشورات من فلاد الثالث مثالاً للقسوة والوحشية في العالم بأسره لما حوته من فظائع، فعل سبيل المثال، نجد الفقرة التالية منشورة في واحد من تلك المنشورات المطبوعة عام 1521.
اشتهر فلات باتباعه وسائل وحشية في التخلص من أعدائه والمخالفين للقانون، فإلى جانب نزع الأحشاء وقطع الرؤوس وسلخ الضحايا و غليهم أحياء، كانت وسيلته المفضلة في التعذيب هي الخازوق وهو ان يدفع وتد خشبي عبر أجساد الضحايا وتركهم يموتون ببطء، بل إن مخطوطات ألمانية قد وثقت حادثة دموية قام فيها، فلاد بإعدام نحو ثلاثين ألفا بالخوازيق في مدينة براشوف في عام 1459 ويقال أنه تناول غذاءه وسط الجثث المتعفنة وغمس خبزه في دمائهم. لذا عرف فلاد الثالث بفنادق تيباس أي المخوزق ولم يسلم من تلك الوسيلة البشعة حتى العثمانيون الذين نشأ بينهم.
” | كان يشوي الأطفال، ويأتي بأمهاتهم فيأمرهم بأكل لحوم أطفالهن، ويأتي بالنساء ويقطع أثدائهن فيشويها، ثم يأمر أزواجهم بتناولها، وفي النهاية، يعدمهم جميعًا خزقًا. |
تُعرف قصص فلاد الثالث في التراث السلافي عامة والروسي خاصة باسم «قصص ڤويڤود دراكولا، أو قصص أمير الحرب دراكولا» ويسود الاعتقاد أنها كُتبت للمرة الأولى كاملة خلال الفترة ما بين عام 1481 وعام 1486، واستمرت طباعة قصص فلاد الثالث منذ بدايات القرن الخامس عشر وحتى الثامن عشر، بقي من هذه الإصدارات جميعها إثنتي وعشرين نُسخة، محفوظين جميعُا في الأرشيف الروسيأ[. ويعود تاريخ أقدم تلك النسخ لعام .1490
دأبت الوثائق الرومانية والبلغارية الصادرة منذ عام 1481 على تصوير فلاد الثالث في صورة البطل والقائد الحقيقي، الذي على الرغم من اتخاذه لأساليب قاسية في الحكم، إلا أنه ظل حاكمًا عادلًا في النهاية، اضطر لاستخدام تلك الأساليب لانتزاع البلاد من أيدي الفاسدين من النبلاء ( البويار)، كما أن كل حملاته العسكرية وجهها ضد عدو واحد، الدولة العثمانية، بغية الحفاظ على استقلال بلاده، والدفاع عن موروثه الديني والثقافي الذي دام مهددًا دائمًا بالغزو من قِبل العثمانيين، وقد جاء ذكر فلاد الثالث في العديد من المصادر الأجنبية، وليس الرومانية أو البلغارية فقط، حيث ذكره الكاتب الإيطالي، مايكل بوكينولي، من راعوزا، في كتاباته التي دوّنها باللاتينية عام 1524 وجاء فيها:” في والاكيا أميرًا يُدعى دراكول، كان حكيمًا، كما كان رجل حرب متمرس”.
وعلى النقيض، وضعت الوثائق الجرمانية والساكسونية والمجرية الأمير فلاد الثالث في إطار من الوحشية والطغيان، وهو ما يُرجعه العديد من المؤرخين لحملة التشويه الشرسة التي تعرّض لها فلاد الثالث على يد شعوب ترانسيلفانيا السكسونيين، قبل أن يُتم كورفينوس، ملك المجر، نشر تلك القصص والأقاويل حول فلاد الثالث في سائر أنحاء العالم المسيحي،ومن المستبعد أن تتم تلك المؤامرات دون علم كورفينوس، خاصة وهو من قام بتوريط فلاد الثالث من خلال الخطابات المزورة التي افتعلها بغرض إلقاء القبض على أمير الأفلاق، ومع ذلك، فهناك أدلة دامغة لا تقبل الشك، سواء رومانية أو أجنبية، بما في لك خطابات فلاد الثالث نفسه، تؤكد جميعها إقدام المخوزق على قتل عشرات الألاف من المدنيين.
شخصية دراكولا
يعتقد الكثير من الاشخاص في المجتمع العلمي أن شخصية “دراكولا” لبرام ستوكر كانت مبنية على شخصية فلاد. على الرغم من أن ملاحظات ستوكر للرواية تتضمن إشارات إلى «دراكولا»، فإن الرواية التاريخية التي تم أخذ الملاحظات منها تذكر فقط التسمية، وليس الأفعال التي كان فلاد معروفًا بها. تكهن بعض العلماء بأن محادثات ستوكر مع مؤرخ معروف، هيرمان بامبرغر، ربما تكون قد زودته بمعلومات عن طبيعة فلاد العنيفة، على الرغم من عدم وجود دليل ملموس يدعم هذه النظرية. كما تُشير المصادر إلى تعرّف الكاتب برام ستوكر على شخصية فلاد الثالث بصورة أعمق وأكثر تفصيلًا من خلال أحد معارفه وهو المستشرق المجري من بودابست، أرمينيـوس ڤمبيري، وعلى الرغم من ذلك، لم يورد أي مصدر تاريخي معتمد أية حوارات أكاديمية دارت بين ستوكر وڤمبيري حول تاريخ الأفلاق بصورة عامة.
جاء الربط بين اسم دراكولا ومصاصي الدماء عن طريق الروائي الإنگليزي برام ستوكر، والذي جاء باسم شخصيته المحورية، كونت دراكولا، في كتاب للدبلوماسي الإنگليزي ويليام ويلكينسون، تحت عنوان An Account of the Principalities of Wallachia and Moldavia: with various Political Observations Relating to Them تحدث فيه عن أمراء الأفلاق وكولدافيا والأوضاع السياسية داخل البلدين خلال العصور الوسطى، ومن المعروف قيام برام ستوكر بأبحاث حول هذا الكتاب واتخاذه للعديد مما جاء فيه من أحداث تاريخية كخلفية للأحداث الدائرة في روايته.