يقول الله تعالى عن النبي موسى، عليه السلام، عندما سقى للمرأتَيْن: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ القصص-25). لم ينزوجها سيدنا موسى لجمالها أو لثروتها أو لنسبها أو لحسبها، فقط لحيائها. نعم لحيائها، وهذا يظهر ما مدى أهمية الحَيَاء في ديننا وحياتنا الإجتماعية.
ما هو الحَيَاء؟
يعرّف الحَيَاء لغة، بأنه: الحشمة، ضد الوقاحة. وقد حيي منه حياء واستحيا واستحى فهو حَيِيٌّ، وهو الانقباض والانزواء.
ويعرّف أيضا ، بأنه: تغيُّر وانكسار يعتري الإنسان مِن خوف ما يُعَاب به ويُذَمُّ، ومحلُّه الوجه.
وقال ابن حجر: الحَياء: خُلُق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح، ويمنع مِن التقصير في حقِّ ذي الحقِّ.
ما الفرق بين الحَيَاء والخجل؟
يقول أهل اللغة عن الخجل: “هو التحير والدهش والاسترخاء.. ويكون من الذلِّ وسوء التربية في الصغر، ويكون مذموما إذا كان يمنع صاحبه مما ينفعه في دينه ودنياه، أو يحمله على فعل ما لا ينبغي، ولا يقال عنه إنه حرام، لأنه طبيعة جبل عليها الشخص، فإذا أدى بصاحبه إلى التقصير في واجب أو الوقوع في محرم كان تقصيره في الواجب أو وقوعه في الحرام حراما”. والحَيَاء خلق كريم يمنع صاحبه من فعل القبيح والتقصير في حق الغير.
أنواع الحَيَاء
الحَيَاء نوعان: حياء فطري ، وحياء مكتسب . وهو ترويض النفس عندما يتعرف على الله ويعظمه فيستحي منه. وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ﴾ (الأحزاب- 53.)
أين تظهر علامات الحَيَاء؟!
تظهر علامات الحَيَاء على وجه الإنسان.
وجه الإنسان هو جزء معقَّد ومتميِّز للغاية من جسمه. وفي الواقع، إنه أحد أكثر أنظمة الإشارات المتاحة تعقيداً ؛ فهو يتضمَّن أكثر من 40 عضلة مستقلة هيكلياً ووظيفياً، بحيث يمكن تشغيل كل منها بشكل مستقل عن البعض الآخر؛ وتشكِّل أحد أقوى مؤشرات العواطف. والجهاز العضلي للوجه هو المكان الوحيد في أجسامنا، حيث ترتبط العضلات إما بعظمة واحدة ونسيج من أنسجة الوجه (ترتبط العضلات الأخرى في جسم الإنسان بعظمتين)، أو نسيج فقط مثل العضلات المحيطة بالعينين أو الشفتين. وهذا ما يجعل نشاط عضلات الوجه متخصصاً إلى درجة عالية في التعبير. فهو يسمح لنا بمشاركة المعلومات الاجتماعية مع الآخرين والتواصل بشكلٍ لفظي وغير لفظي أيضاً في الوقت نفسه.
لم يُجمع العلماء حتى اليوم على وجهة نظر أو نظرية واحدة لفهم تعابير الوجه. فالإجماع القديم بدَّدته أبحاث حديثة خلصت إلى أن تعابير الوجه متأثرة بنوايانا وتوقُّعاتنا، ومبنية اجتماعياً، ومتغيرة عبر الثقافات. بعد ذلك بمئة سنة، وفي مسرحية “ماكبيث” لوليم شيكسبير ، يعبِّر الملك دانكن عن ذهوله من خداع كاودر له، إذ لم تكن تعابير الخيانة تظهر على وجهه، فيقول: “لا يوجد علم يكتشف على الوجه ما في العقل”. ويقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو:”وبين التعبير غير اللفظي الذي هو أكثر بدائية و”أعصى على التزييف”.
الحَيَاءفي الجاهلية
وكانت العرب في الجاهلية تتحلى بصفة الحياء، فهذا أبو سفيان قبل إسلامه عندما وقف أمام هِرَقْل ملك الروم؛ ليسأله عن النبي – – فأخبر عن نفسه قائلاً: لولا الحياءُ من أن يأثروا عليَّ كذبًا لكذبت عليه”.
فضائل الحَيَاء
الحَيَاء مفتاح للخير، يقول “الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ”.
الحَيَاء من الايمان، يقول ” الإيمان بضع وستون شُعبة، والحياء شُعبة من الإيمان”.
الحَيَاء مغلاق للشر، يقول “إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاس مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ”. بمعنى أن من لم يستحْيِ فليعمل ما يشاء؛ لأنه لا رادع ولا مانع عنده إذا فقَد الحياء.
وكان النبي شديد الحياء حتى قال أبو سعيد الخدري ، رضي الله عنه: “كان النبي – أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها”.
ومن مواقف الحياء؛ ما روتْه عائشة – رضي الله عنها – أن امرأة سألت النبي عن غُسلِها من المحيض، وكيف تُطهِّر موضع الدم؟ فقال لها النبي (خذي فِرصة من مسك فتطهَّري بها))، فقالت: كيف أتطهَّر؟ فقال – -: ((تطهَّري بها))، فقالت: كيف؟ فقال – – في حياء: ((سبحان الله تطهَّري))، واستحى أن يشرح لها أكثر من ذلك، قالت عائشة: فاجتذبتُها إليَّ فقلت: “تتبَّعي بها أثر الدم”.
قال رجلاً : يا رسول الله، أوصني، قال: ((أوصيك أن تستحيَ من الله؛ كما تستحي رجلاً من صالحي قومك)).
أقوال الصحابة، رضي الله عنهم، في الحياء:
– يقول أبو بكر الصديق: “يا معشر المسلمين استحيوا من الله. فوالذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء مغطي رأسي، استحياء من ربي. “
يقول عمر بن الخطاب: ” من استحيا اختفى ومن اختفى اتقى ومن اتقى وقى”. ويقول الفاروق أيضا:
“من قَلَّ حياؤه، قلَّ وَرَعُه، ومن قلَّ وَرَعُه، مَات قلبه”.
يقول عبدالله بن عمر: ” الحياء والايمان مقرونان جميعا . فاذا رفع أحدهما ارتفع الآخر”.
يقول الإمام علي بن أبي طالب: “إنما الفخر لعقل ثابت … وحياء وعفاف وأدب”. ويقول، كرم الله وجه:”قُرِنَت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان”.