الخيول العربية الأصيلة، يضرب بها المثل في الشجاعة والإقدام، وكانت دائما أفضل عتاد يعتمد عليه في أوقات السلم وفي وقت الحرب، حيث لم تكن لتتراجع أيا كانت ضراوة المواجهة مع الأعداء.
لكن، أن تخوض حربا، أمام قطيع من الأفيال الحربية الهائجة، التي تتقدم لتسحق كل شيء تحت أقدمها الهائلة، فهذا ما لم يحسب حسابه قائد الجيش الإسلامي سعد بن أبي وقاص، وهو يواجه قائد الفرس رستم فرخزاده في معركة القادسية، وهي إحدى أضخم المواجهات الحربية في التاريخ الإسلامي، فلم يسبق أن واجه المسلمون فيلة وبهذا العدد في الحرب من قبل.
جلب رستم معه 33 فيلا حربيا، واستطاعت الأفيال أن تلقي بالرعب في نفوس الجنود والخيل، وبينما يتراجع الجيش الإسلامي أمام ضربات هذه الكائنات العملاقة، فيما يشبه الهزيمة المؤكدة، وبينما يتضاعف سقوط الجنود جراء هذا الهجوم الذي لا يصد، يتفتق ذهن سعد بن أبي وقاص عن فكرة بارعة.. غيرت مجرى المعركة بشكل عجيب!
لاحظ سعد أن كل فيل على ظهره سائس، يجلس داخل كابينة خشبية، مغلقة ومربوطة بالحبال إلى ظهر الفيل، حيث يقوم السائس بتوجيه الفيل حسب تعليمات قائد الجيش الفارسي، ولأن قائد جيش المسلمين سعد بن أبي وقاص كان راميا مخضرما، و يمتلك حدة بصر مذهلة، استطاع بدقة فائقة التقاط نقطة الضعف الوحيدة في هذه الآلة الحربية التي بدت أنها لا تقهر.
أمر سعد قائد ميسرة قلب الجيش، عاصم بن عمرو التميمي، بأن يشكل فريقي عمليات خاصة من أمهر الرماة من قبيلة بني تميم المعروفة بالبأس والقوة، و أعطاهم هدفا محددا..!
كان على مجموعة من الرماة إصابة الحبال التي تربط كبائن القيادة بظهر الفيلة، وعلى المجموعة الأخرى إصابة السائس الذي يجلس على ظهر الفيل إصابة قاتلة في الرأس مباشرة.
بدأت العملية، ونجح الرماة في إصابة جميع الأهداف ببراعة فائقة، فتهاوى السائسون من على ظهر الفيلة، وسقطت كبائن القيادة بعد أن قطعت السهام الأحبال التي تربطها بظهور الفيلة، وانقلب سلاح الفرس ضدهم، فعندما سقط قادة الفيلة، أصابها هياج شديد، وبدلا من أن تواصل التقدم نحو المسلمين، تراجعت لتسبب الفوضى في صفوف جيش رستم، ونجحت خطة سعد بن أبي وقاص في تحييد سلاح الفيلة القوي والمؤثر في الميدان.
وانتهز المسلمون الفرصة ليقوموا بعملية هجوم شامل على الجيش الفارسي المرتبك، لكن ما زاد الطين بلة أن الفرس كانوا يربطون الجنود بالسلاسل منعا لهم من الهرب عندما يحمى الوطيس وتشتد ضرواة القتال، ومع تراجع الفيلة حدث دهس للمئات من الجنود الذين منعتهم السلاسل من الحركة، فانقلبت كفة المعركة لصالح المسلمين، وحاول رستم أن ينجو بحياته لكنه قتل أثناء محاولته الهرب.
كانت مواجهة خاضها 30 ألف مسلم أمام 200 ألف فارسي يتقدمهم 33 فيلا حربيا، وحقق الله تعالى فيها النصر على يد القائد سعد بن أبي وقاص، ليسجله التاريخ كواحد من أهم الانتصارات في تاريخ الإسلام .