الصفر وأهميته عبر التاريخ

مقدمة

يتفق العديد من المؤرخين والعلماء على أن الصفر كما نعرفه ظهر لأول مرة في الهند، وتطور بعد ذلك في القرن الخامس بعد الميلاد ، وبدأ يتشكل كرقم  وليس علامة ترقيم بين الأرقام، ويرمز له بنقطة أو دائرة يعتبر الصفر “صنع شيء من لا شيء”. كانت النقطة مقدمة للصفر الذي نعرفه اليوم، لا يمثل شيئًا، ومن ثم تحول إلى شكل مستدير دلالة على دائرة الحياة، شكل (1).

شكل (1).

كان الهنود القدماء أول من تعامل مع العدم باعتباره رقمًا صحيحًا وليس مجرد عنصر نائب (A placeholder). ويعتقد أيضا أن براهما غوبتا، عالم الرياضيات والفلك الهندي، هو أول من شرح استخدام الصفر في العالم، من خلال ذكره في كتابه “سيندهانتا” في القرن السابع الميلادي، وبيَن أن الصفر هو حاصل طرح العدد من العدد المساوي له، وهو أيضا حاصل ضرب أي رقم آخر به.
كان مفهوم النيرفانا ، أو العدم ، راسخًا ، وكانت الكلمة المستخدمة في النصوص الفلسفية الهندية القديمة للإشارة إلى العدم هي “شونيا” (Shunya) ومعناها “خالي أو فارغ”، وبعد ذاك ترجمت الكلمة ونقل لفظها صوتيا إلى اللغة العربية وأصبحت “صفر”. ويذكر أن كتاب “سيندهانتا” كان قد نقل إلى عاصمة الخلافة العباسية بغداد، وترجم إلى العربية بأمر من الخليفة المأمون.

ويذكر أن مفهوم الصفر استخدم أيضا من قبل قبائل المايا، التي ازدهرت في أمريكا الجنوبية، وكانت تستخدم النظام العشري اعتمادا على أعداد أصابع اليدين والقدمين في الجسم، كما أن الشهر في تقويم حضارة المايا كان يبدأ باليوم “صفر”. بالنسبة للمايا ، كان الصفر هو إله الموت بين أسيادهم في العالم السفلي ، والرجال الذين يتبنون شخصية الصفر تم التضحية بهم طقوسًا على أمل تجنب يوم الصفر ، وهو الوقت الذي سيتوقف فيه الوقت نفسه. واستخدموا رمز الصدف للدلالة على الصفر. شكل (2).

شكل (2)

هذا وأن الصفر لم يكن معروفا في نظام الحساب الروماني الذي كان مختلفا ويعتمد على الحروف اللاتينية للتعبير عن الأرقام.
ونشر عالم الرياضيات الخوارزمي ( 773-847) رسالة “الخوارزمي عن الأرقام الهندية” شارحا من خلالها استخدامات الصفر، وتعرف منها الغرب على النظام الحسابي العربي (النظام العشري)، الذي عرف بنظام الأرقام الخوارزمية.
وكانت تتضمن هذه الرسالة ما يلي :”في عمليات الطرح، إذا لم يكن هناك باق نضع صفرا ولا نترك المكان خاليا، لكي لا يحدث لبس بين خانة الآحاد والعشرات، والصفر يجب أن يكون من يمين العدد، لأن الصفر من اليسار لا يغير من قيمة العدد”.
واخترع الخوارزمي أيضا مجموعة أخرى من الأرقام التي تعرف اليوم باسم الأرقام العربية، ولكنها لم تحظ بانتشار واسع في دول المشرق العربي، وقام العرب باستخدامها لاحقا في الأندلس والمغرب العربي، قبل أن تنتشر في أوروبا وأنحاء العالم على الشكل المستخدم حاليا.

الصفر في أوروبا

وصل الرقم صفر كما نعرفه إلى الغرب حوالي  عام 1200 ، عن طريق  عالم الرياضيات الإيطالي فيبوناتشي  (Fibonacci  )، (1170-1250)، (المعروف أيضًا باسم ليوناردو فيبوناتشي بيزا) ، بعد طفولته التي قضاها في مدينة بجاية الجزائرية. هناك ، تلقى تعليمه على يد مدرس مغاربي ، وتعرف على عالم الأرقام العربية. عندما عاد إلى أوروبا ، لم يجلب معه شيئًا، إلا مفهوم اللاشيء. وقام  بنشر كتابه عام 1202 ” Liber baci” يشرح من خلاله الحساب وأهمية ونقل استخدامات الصفر إلى نظام الحساب الأوروبي، وكتبه باللاتينية “Cipher”، من الكلمة العربية صفر(sifr) إنه نفس الجذر العربي الذي يعطينا كلمة التشفير (cipher) ، والتي يمكن أن تعني شيئًا تم إجراؤه في الخفاء.

إلى أن تطور اللفظ فيما بعد وتغير ليصبح “Zero” في القرن الخامس عشر . وتجدر الإشارة إلى أن رمز الدائرة “0” كان يعد من رجس الشيطان في العصور المظلمة في أوروبا، مما أدى تأخر استخدام الصفر في أوروبا.

وحط الصفر رحاله في أوروبا خلال حقبة الحروب الصليبية (1096)-1291 )، وكان الناس متشككين في الأفكار العربية “كان مفهوم اللاشيء بالكامل في الواقع فكرة صعبة جدًا لكثير من الناس ، وخاصة المسيحيين”. “كانت فكرتهم نوعًا من” الخلود “وليس هناك بداية ولا نهاية لله. لذا فإن مفهوم العدم ذاته جعلهم يشعرون بعدم الارتياح.

بالإضافة إلى الهواجس الفلسفية والمفاهيم الدينية ، سبب الصفر الذعر بين أصحاب العقول المالية والتجار. في القرن الثالث عشر ، حظرت مدينة فلورنسا بإيطاليا الصفر وجميع الأرقام العربية الأخرى ، مدعية أن شكل الدائرة (0) يمكن تغييره بسهولة إلى ( 6) أو (9) بواسطة تاجر أو شخص عديم الثقة والأخلاق، ويمكن أن يكون بوابة ومفهوم مخيف للديون وإقراض الأموال. لم يتم قبول الصفر بالكامل في العالم الغربي حتى القرن الخامس عشر، وأول استخدام معروف له كان في عام1598 .

مفهوم الصفر الحالي

إن المادة صفر على أنها تلك الكمية التي يتم الحصول عليها عند طرح رقم من نفسه ويواصل شرح الإجراء الجمع والطرح والضرب والقسمة بصفر. وهكذا يكتب “مجموع الصفر والرقم السالب سالب ، ومجموع الرقم الموجب والصفر موجب ، ومجموع الصفر والصفر هو صفر. الرقم السالب المطروح من الصفر موجب ، والرقم الموجب مطروح من الصفر. سلبي ، والصفر المطروح من رقم سالب هو سلبي ، والصفر المطروح من رقم موجب هو موجب ، والصفر المطروح من الصفر هو صفر. ” ومع ذلك ، كانت القسمة على الصفر مشكلة: “الأعداد الموجبة أو السالبة عند القسمة على صفر هي كسر مع الصفر كمقام. والصفر مقسومًا على الأرقام السالبة أو الموجبة هو إما صفر أو يتم التعبير عنه ككسر بصفر كبسط وكمية محدودة كمقام. صفر مقسومًا على صفر يساوي صفرًا “.

 

السلطان عبد الحميد الثاني والصفر

اكتشف الكيميائي البريطاني هنري كافنديش Henry Cavendish (1731 – 1810) بأن الماء ليس “عنصرًا”، بل مركبا من  جزئين من الهيدروجين إلى جزء واحد من الأكسجين، في حوالي 1781، وتم تأكيد هذه التركيبة في عام 1800 عندما تم قياس كميات الهيدروجين والأكسجين الناتجة عن التحليل الكهربائي للماء، وأعطي الرمز  H2O .

وخلال فترة جكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (1842-1918 )، وتكالبت الأمم عليه وأصبحت الدولة العثمانية تدعى “الرجل المريض”، أخبرته حاشيته بأن الجميع في العالم ضده، حتى العلماء استبدلوا كلمة الماء بالرمز H2O ، لأنه يمكن تفسيره على

أنه H = Hamid ، 2 = Second و O = Cipher – أي أن Hamid Second لا شيء . ولأن الغرب يدعونه حميد الثاني أمر رقابته بحذف الإشارات H2O من كتب الكيمياء التي تم إحضارها إلى إمبراطوريته ، “مقتنعًا” بأن الرمز  H2O يمثل” حميد الثاني لا شيء”، أي أن  حميد الثاني صفر بلا قيمة.

على الرغم من أن السلطان من الواضح أنه أخطأ في قراءة حرف “O” للأكسجين في التكوين الأولي للماء باعتباره صفرًا ، فإن مخاوفه بشأن هذا الرقم بالذات لم تكن مجنونة تمامًا – أو على الأقل لم تكن تفتقر إلى سابقة تاريخية.

مفهوم الصفر عند الحكومة الأردنية

تم توجيه سؤال من أحد أعضاء مجلس النواب والمتعلق بكمية الماء المستهلكة في مزرعة في منطقة رم جنوبي المملكة. جاء رد الحكومة على لسان وزير المياه بأن الكمية المستهلكة تعادل بالرقم النصي «204 مليون» متر مكعب من المياه. وهذه تعتبر كمية هائلة  من المياه لمزرعة واحدة والبلاد تعاني من شح المياه ، تسبب الرقم – وكما ورد في كتاب الحكومة – بعاصفة من الجدل لم تقف عند حدود. بسبب ذلك الجدل، اضطرت وزارة الزراعة للاستدراك قائلة بأن الرقم هو (2.4 مليون) متر مكعب من المياه وليس 204 ملايين متر مكعب .اللافت هنا أن وزارة الزراعة هي التي ردت للتوضيح وليست وزارة المياه، وحتى هذه اليوم لا أحد يعلم ما هو الفارق ما بين صفر وزارة المياه وصفر وزارة الزراعة.

 

 

سئل عالم الرياضيات « الخوارزمي» عن الإنسان فأجاب:

إذا كان الإنسان ذا(أخلاق) فهو =١

وإذا كان الإنسان ذا(جمال) فأضف إلى الواحد صفراً=١٠

وإذا كان ذا(مال) أيضا فأضف صفراً آخر =١٠٠

وإذا كان ذا ( حسب ونسب) فأضف صفراً آخر =١٠٠٠

فإذا ذهب العدد واحد وهو (الأخلاق) ذهبت قيمة الإنسان وبقيت الأصفار التي لا قيمة لها.

Leave a Comment