خطاب إلى ابنتي مجد بمناسبة هجرتها إلى كندا

خطاب إلى ابنتي مجد بمناسبة هجرتها إلى كندا

بنيتي

عندما يولد طفل، أن يجلب السعادة والفرح للعائلة. غالبًا ما يتساءل الآباء عن الاحتمالات اللامتناهية لمستقبل أبنائهم. إنهم يتخيلون ما سيكون عليه أبنائهم عندما يكبرون وكيف يمكنهم مساعدتهم على النجاح. الشيء الوحيد الذي قد يخطر ببالهم أيضًا هو كيفية منع أبنائهم من مواجهة المواقف الصعبة. تكون الأولوية القصوى هي تحقيق طموحاتهم في بلادهم

بعد أنْ اشتدّ أذى مشركي قريش على المسلمين في مكة أشار عليهم النبي (صلى الله عليه وسلم) بالهجرة واختار لهم أرض الحبشة، لأنّ فيها ملكاً عادلاً، لا يقبل الظلم على أحد. نعم “ملكا عادلاً”، لأن “العدل أساس الملك”. لم يذكر نبينا (صلى الله عليه وسلم) لون بشرته أو لون عينيه، أو حتى ديانته، فقط لأنه “ملكا عادلاً”. وكأن الأحداث تعيد نفسها، الهجرة من بلاد لا عدالة فيها إلى دول تحكم بالعدل.

كشفت أنجيلا ميركل فيها بقسوة عورة واقع العالم العربي الاسلامي الأليم والذي يكاد يشبه الفضيحة  هذه الايام، في مقارنة بين تعامل “الاجانب وغير المسلمين مع المسلمين الذين يفرون من بلدانهم ويفضلون الإتجاه إلى أوروبا “الكافرة” على الذهاب إلى بيت الله في مكة.  وقالت أنجيلا ميركل:
“غدا سنخبر أطفالنا أن المهاجرين  هربوا من بلادهم إلى بلادنا ، وكانت “مكة بلاد المسلمين” أقرب إليهم” …

” غدا سنخبر أطفالنا أن رحلة المهاجرين إلى بلادنا، كانت كهجرة المسلمين إلى الحبشه ، ففيها حاكم  لايظلم عنده أحد أبدا ..”.

إن حقيقة ما قالته  لامس عصباً مكشوفاً لدى الأمة العربية والإسلامية، وبلّغ عن أمر واضح في انكشافه وتجلّيه، فما نراه اليوم هو أن مئات آلاف من المهاجرين يقطعون بأرواحهم (لا بأجسامهم فحسب) الخطّ الجغرافي الفاصل بين حضارتين، متحشدين على أبواب  الرحمة والعدالة.

ونحن ماذا سنخبر أطفالنا؟!!!!

ماذا ستخبري أطفالك عندما يكبرون “يا مجد”؟!

إذا سألتك “حلا” أو “حازم”، لماذا هاجرتم؟!

ربما ستقولي لهم:” من أجل حياة أفضل لكم في بلاد فيها عدالة (بلاد الكفرة). عدالة مفقودة في بلاد مولدنا، كل أنواع العدالة مفقودة، من عدالة في حياة كريمة، او العدالة في الفرص المتاحة أمامنا، رغم قلتها. لذا قررنا الهجرة.

ستكبر ابنتك”حلا” ، وتصبح شابة يافعة، ربما تسألك: “لماذا لم تطالبوا بتطبيق العدالة”؟!

العدالة يا مجد، هي مثل الحرية والديمقراطية, تؤخذ ولا تعطى.

ويذكر ابن خلدون في مقدمته، يا مجد: “أكل العرب الإبل فأخذوا منها الغيرة والغلظة وأكل الأتراك الخيول فأخذوا منها الشراسة والقوة. وأكل الإفرنج الخنزير فأخذوا منه الدياثة ، وأكل الأحباش القرود فأخذوا منها حب الطرب”.

وقال ابن القيم ،رحمه الله “كل من ألِفَ ضربا من ضروب الحيوانات اكتسب من طبعه وخُلقه،فإن تغذى بلحمه كان الشبه أقوى”. عفوا يا ابن خلدون ومعذرة يا ابن القيم, نحن بني يعرب من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر, لا نأكل إلا لحم الضان, وكلما كانت خرافا صغيرة, يكون الطلب عليها أكثر, ولا نبقي منها شيئا حتى النخاع واللسان.

 

سيكبر ابنك “حازم” يا مجد في تلك البلاد، ويصبح شابّا، ويدخل عليك كرمح لا يثنى نصله، ويسألك:

  • يا أمي …هل الإنتماء للبلاد التي لفظتنا أ م للبلاد التي احتضنتنا؟!

صغيرتي مجد….

قبل فترة كنت أشاهد فيلما أمريكيا، وكان هناك مشهد الأب والأم يودعان ابنهما للبحث عن طموحه. قال والده:

  • اذهب، ولا تلتفت ورائك.
  • نظرت زوجته إلية بنظرة استنكار لما يقوله، فأجابها:
  • أن ما قلته قد ذكر في القرآن.

 

قال تعالى: “قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ”. (هود-81). وقال تعالى: ” فَأَنجَيْنَٰهُ وَأَهْلَهُۥٓ إِلَّا ٱمْرَأَتَهُۥ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَٰبِرِينَ” (الأعراف-83).

فلا تلتفتي خلفك يا “مجد” أبداً، من التفت خلفه فقد هلك وكان من الغابرين.

فقد ذكر الفقهاء (رحمهم الله تعالى) أن من آداب قضاء الحاجة “أن لا ينظر المرء إلى ما يخرج منه”. وتعرف المعاجم العربية (خِراء ) والجمع  (جمع (خَرء)، وهو “غائط، ما يطرحه الجهاز الهضميّ من فضلات الطعام”. فإذا نظرت ورائك فلن ترين غير هذا.

صغيرتي مجد

إليك هذه القصة القصيرة قبل النوم (حب وحليب و ماء)

كان يا ما كام في قديم الزمان وسالف العصر والاوان،  ملك يحكم مملكة تدعى مملكة موزستان. وكانت هذه المملكة مترامية الأطراف، تحاذي حدودها بلاد العجم وبلاد العربان.

في أحد الأيام استدعى الملك وزيره الفهمان، والخبير بشؤون الأوطان، وحب الشعب لمليكهم وولي نعمتهم.

سأل الملك وزيره: أخبرني كيف لي أن أعرف مدى حب شعبي لي؟!

صمت الوزير قليلا، وهرش رأسه بيده اليسرى, وبأصابع يده اليمنى فرك جبهته، حتي يساعد في تدفق دمه إلى الجهاز العصبي المركزي لتهل عليه الأفكار. صمت قليلا، فابتسم وقال وجدتها يا سيدي وولي أمري ونعمتي، ورب الكعبة وجدتها.

فرح الملك كثيرا، وقال له: اخبرنا ما ذا وجدت ايها الوزير الجهبذ!

قال الوزير: علينا أيها الملك أن  نبني خزانات على قمة أعلى جبل في كل مدن مملكتك.

فأجابه الملك:  وما الفائدة من ذلك؟

أجاب الوزير: بعد اكمال بناء الخزانات، عليك أن تصدر فرمانا أيها الملك ومضمونه ” على كل شخص يحب الملك أن يسكب كوب من الحليب في الخزان”. وهكذا عندما نجد جميع الخزانات ممتلئة بالحليب فهذه علامة على مقدار حب شعبكم لكم.

عمل الملك بنصيحة الوزير وأصدر الفرمان المطلوب.

كل رب أسرة فكر بالأمر بينه وبين نفسه. ما هو الضرر اذ سكبيت كوبا من الماء بدلا من الحليب في الخزان، حجم الخزان كبير وما الضرر من وجود كوب ماء صغير!!!

ويبدو بأن الجميع فكر بمثل تفكير رب الأسرة هذا.

وكانت النتيجة صادمة للملك، جميع الخزانات المنتشرة في المملكة كانت ممتلئة بالماء, ولا حتى قطرة حليب واحدة، وحتى الخزان الذي كان من قرب حاشيته.

ترى يا مجد لو تم تطبيق هذا المؤشر في الدول العربية من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر، ماذا سيجد حكامنا في الخزانات؟! حليب…ماء…وربما غير ذلك.

والدك سليمان

 

 

 

 

 

 

Leave a Comment