دلالات “لي لي ليش” بالزغاريد في تراثنا

دلالات “لي لي ليش” بالزغاريد في تراثنا

مقدمة

فجاءتهاتتشترك المنطقة العربية، وخاصة منطقة الشرق الأوسط بوجود التهاليل والزغاريد في الأفراح والأعراس، وأفراح العودة من الحج وقدوم مولود جديد وتحقيق انتصار ونجاح ما أو حتى وصول جثمان شهيد- على سبيل المثال -، مناسبات تستدعي الزغاريد منذ القدم، وكذلك طقوس الاستقبال والوداع في البلاد العربية – الإفريقية، تبدأ وتنتهي بالزغاريد كالسودان مثلاً، التي استأثرت باهتمام الرحالة والمستكشفين الأوروبيين الذين زاروه خلال القرون الماضية، إذ يندر أن لا نجد في مؤلفاتهم ومذكراتهم عبارة كهذه:

(أي أن مجموعة من نساء المحليات ودّعتْ قافلتنا بالزغاريد).

متى تزغرد المرأة؟

تعتبر الزغروتة من الموروثات الشعبية التي تتوارثها الأجيال، وتدعى الـ “زغرودة” أو الـ “زغروطة” في منطقة بلاد الشام ومصر، و”اليباب” و”الغطرفة” في الخليج العربي، أو الـ “تزغريته” في المغرب العربي.

تعود كلمة  “زغرودة” إلى الفعل الرباعي “زغرد”، ومعناه رفع النساء صوتهن في الأفراح، وجمعها زغاريد ويطلق عليها اسم (الزغلوطة) باللهجة العاميّة لدول عربية مختلفة، وكل امرأة تستطيع الزغردة، لكن هناك مزغردات خاصات يعرفن بالاسم ويتمتعن بسمات خاصة كجمال الصوت وقوته وارتفاعه.

للزغرودة دلالات ومعانٍ تاريخية واجتماعية تؤثر في العمق النفسي للفرد والجماعة في مجتمعاتنا، فهي مليئة بالعواطف وحاملة لقدر كبير من حقيقة الأمنيات والأفكار والدوافع العميقة والمزاج العام للمرأة على وجه الخصوص.

البداية وصف ودعاء.. والختام مناجاة

بكسْر الألف في “إيها” ومطّها مع الياء تبدأ الزغرودة، فتصف العروس شكلاً وقامةً وصولاً لأخلاقها ورفعة أصلها. ثم تتجه إلى العريس لتصف وسامته وشجاعته وطيب نشأته.

و “المهاهاة” نوع من المطارحة الإبداعية، كما أنها تعبر عن الذكاء الفطري عند النساء وسرعة نتاجهن الفكري المرتجل في اللحظة نفسها خاصة لدى الأميات منه، ويشير سليم المبيض إن أصل “إيها” كمفردة إلى السريانية وهي مصدر (هأ) و(هأهأ)، فعل رباعي يفيد الدعاء والزجر ولفت النظر.

أما كلمة “ليش” – محط نهاية الزغرودة -، والتي تشترك النساء بإطلاقها بشكل جماعي، تعود إلى تقليد وثني قديم يتمثل بالغناء الجماعي للآلهة طلباً للرحمة والنجاة ومنح السعادة.

دلالات “لي لي ليش”

يبدو لفظ “لي لي ليش” بوهيمياً للوهلة الأولى، لكننا اعتدنا على سماعه، وبحسب الباحثين ، فإن هناك تشابهاً يصل حد التطابق مع (لي لي ث)Lilith، اسم إحدى أقدم آلهات الشرق، فالتضرعات التي وضعت لليليث كانت درءً لشرها وقوتها التدميرية.

وعليه فإن “لي لي ليش” ما هي إلا تعويذة سحرية تطلق للحماية من شر ليليث واستجداء لبركاتها عن طريق مناجاة النسوة لها وتكرار اسمها بصوت قوي ختاماً للزغرودة.

وبغض النظر عن أصلها، تبقى الزغرودة جزء لا يتجزأ من هوية تراثية أصيلة خاصة بالمجتمعات العربية وبلحظات سعادتهم على وجه التحديد.

(في جميع البلدان العربيةـ، يتبع الزغرودة ابتسامة أو ضحكة خفيفة من قبل النساء)

وظيفة اسطورة ليليث

لأسطورة ليليث وظيفة جوهرية تتمثل في إزاحة الرجال عن طريقها، من خلال تحذيرهم بالخطر الذي تمثله بالنسبة إليهم. ولكن يبدو أن وظيفتها الأساسية هي تحذير المرأة  التي لا تتبع قانون آدم سيكون مصيرها الرمي، وتكون إلى الأبد حزينة. انها تمثل القمر “المرأة” في الحكم والسيطرة ، وإن كان أقل سيادة ، ولا تريد أن تدخل في شجارها مع الشمس “الرجل”. تستمد ليليث طاقتها من هذا الاستياء المستمر ، وبأن علاقة ليليث بالليل والظلام قد تم تكوينها .

من هي ليليث؟!

لمعرفة المزيد عن اسطورة ليليث، أرجو الرجوع إلى مقالي السابق عنها.

يحتل أسم “ليليث” جذوراً في اللغات السامية والهندو أوروبية. نجد في الأبجدية السومرية الأسم “ليل””Lil الذي نجده ممثلاً في اسم إله الهواء “أنليل” يدلّ على: “الريح” و”الهواء” و”العاصفة”. إنه هذا الريح الحار، حسب المعتقدات الشعبية، يعطي الحرارة للنساء أثناء الولادة، ويقتلهن مع أطفالهن. يوجد كذلك تشابه بين كلمة “ليليث” والكلمتين السومريتين التاليتين: ليلتي “الشهوة” وليلو” الفسق”. تستخدم ليليث إغراءها (المرأة الجميلة ذات الشعر الطويل) وشهوانيتها (الأكثر حيوانية) في نهايات تدميرية. وهكذا رُسمت صورة لليليث من خلال ملامح طائر الليل، البومة أو طائر الشؤم.

عُدّت “ليليث” في البداية باعتبارها من أكبر القوى المعادية للطبيعة تتصدر مجموعة مكوّنة من ثلاثة آلهة: أحدهم ذكر والاثنتان أنثيان: “ليلو Lilû”، و”الليليتو La Lilitû”، و”أردات ليلي L’Ardat Lili، واعتبرت هذه الأخيرة زوجة سارق النور أو السارق الأنثوي للنور.

نجد باحثين آخرين يوصفوا “ليليث” من خلال العلاقات الممكنة التي تُقرّب اسمها من الجذر الهندو- أوروبي (ل ( ، La) )بمعنى (الخلق ـ الغناء) من جهة، ومن جهة أخرى، الكلمة السنسكريتية (ليك) ،  Lik) ) أي (لعق)، وكذلك عدد كبير من الكلمات التي لها علاقة باللسان والشفتين: نجد كلمة (lippe) في الألمانية والفرنسية، وكلمة (Labium) اللاتينية؛ تلتهم ليليث الأطفال، وتتلون شفتاها وفمها دائماً في اللون الأحمر.

للكلمة اليونانية علاقة مع الكلمات التالية (Lux) اللاتينية و(Luz) الإسبانية وكلمة (Light) في الإنجليزية و(licht) في الألمانية، وتُعَبّر كل هذه الكلمات عن فكرة الضوء، أو أكثر تدقيقاً “النظر من خلال رؤية ثاقبة”، “النظر ليلا”، التحرّر من الظلام الدامس، ليليث أو أم الظلام.

 

 

Leave a Comment