الحَرْمَل ( Peganumharmala.) نبات بري صحراوي معمر شديد التشعب، مع جذور زاحفة قصيرة، وينتمي للعائلة القديسية أو الرُّطْرِيطِيَّة، ويُدعى أيضاً بالحرمل الشامي. يبلغ ارتفاعه من 30 إلى 60 سم، ثماره عبارة عن كبسولات، تشبه حبة الحمص، وغير الناضجة منها خضراء وتتحول إلى اللون البرتقالي المائل للبني عندما تنضج، تحتوي الكبسولات على أكثر من 50 بذرة صغيرة مثلثة الشكل وذات لون أسود-بني تشبه حب السمسم.
تنمو هذه النبتة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط ودول حوض المتوسط والبلاد الحارة شبه القاحلة وما قبل الصحراوية في آسيا وآسيا الوسطى، وكذلك في الأمازون.
أصل كلمة حرمل
“الحرمل” كلمة عربية، واستعارتها لغات أجنبية مختلفة محافظةً على دلالتها الأساسية؛ فقد راجَ في اللغة الألمانية بلفظ Harmel، وفي الإنجليزية هو Harmala، وفي الروسية يُطلق عليهGarmala ، وفي الهندية Harmal. ويُعرف نبات الحرمل في إيران باسم “الأسبند أو الأسفند”، وقد استخدمت أجزاء مختلفة من هذا النبات بما في ذلك بذوره ولحاؤه وجذوره في الطب الشعبي، وهو يحظى بمكانة خاصة في التراث الشعبي الإيراني.
استخدامات الحرمل غير الطبية
غالباً ما تستخدم الصبغة الحمراء، من البذور في غرب آسيا لصبغ السجاد والصوف، وعندما يتم استخلاص البذور بالماء، يتم الحصول على صبغة صفراء، وإذا تم استخلاصها بالكحول يتم الحصول على صبغة حمراء. يمكن استخدام السيقان والجذور والبذور لصنع الأحبار والدهانات والوشم، ويُعزى ذلك إلى وجود قلويدات بيتا-كربولين.
تم استخدام الحرمل كمادة إنثيوجينية (روحية) في الشرق الأوسط وشمال افريقيا وغرب آسيا؛ يتم تعليق الكبسولات المجففة من هذا النبات في المنازل أو المركبات للحماية من العين الشريرة والعين الحاسدة. يتم تسخين بذور الحرمل على جمر، حيث تنفجر محدثة صوت طقطقة خفيفة، ومطلقة دخاناً معطراً يتم استنشاقه من قبل المشاركين في الاحتفالات الدينية والمولد النبوي الشريف مما يسبب الهلوسات لهم.
والحرمل من النباتات التي لا تؤكل دون أن يُرجى منها أية فائدة، فقد ورد في شعر طرفة بن العبد في ذم قوم قوله:
تزخر شبكة الإنترنت بالكثير من الأحاديث النبوية عن الحرمل تحث على استخدامه لطرد الشياطين وإبطال الحسد، وأن هنالك ملائكة موكلين بورقه وبذوره، لكن لا يوجد أي دليل شرعي على صحة هذه الأحاديث.
الحرمل في الموروث الشعبي الأردني
ورد الحرمل بشكل بارز في ثقافة الموروث الشعبي الأردني، وخاصة عند عشائر بني حسن، ومن تلك الموروثات عدم الفائدة من هذا النبات ووصفه “لا تأكلها الجمال ولا تفرشها بنات الحلال”، ويقال إن الفتيات العازبات كن يشعلن النار من حطب الحرمل ويقمن بالطواف حولها وهن يرددن: “ياحرملة يا قرملة، جيتك سايرة نايرة، كل البنات تجوزن وأنا ظليت بايرة”، يتبعها صيحات ونوبات من الضحك، وجميع هذه الكلمات، بالمناسبة، أصولها عربية فصيحة.
الاستخدامات الطبية التقليدية للحرمل
تم استخدام الحرمل لآلاف السنين في الطب التقليدي والطقوس الدينية؛ أعطت الأبحاث الصيدلانية النباتية الحديثة مصداقية لاستخداماتها التقليدية، مما يدل على مجموعة واسعة من الاستخدامات العلاجية المحتملة، بما في ذلك استخدامها كمضاد للاكتئاب وعامل مزيل القلق.
في الطب التقليدي يتم استخدام بذور الحرمل كمسحوق أو مغلي أو منقوع لمعالجة الحمى والإسهال والإجهاض وكمسكن للآلام؛ مثل آلام الروماتيزم وألم المفاصل والألم المعوي. ويستخدم هذا النبات أيضاً لعلاج عرق النسا، ولإدرار البول وزيادة م إفراز الحليب، ويُعتقد أنه يُخرج الدود من البطن وخاصة الديدان الشريطية. ويُعتقد أن تدخين بذور الحرمل يحرك الشهوة الجنسية، ويزيد في الجماع. وفي شمال إفريقيا وبلاد لشام يستخدم كمسكن ومجهض، والإجهاض شائع في الحيوانات التي تبتلع هذا النبات.
ولإطلاق الدخان في غرب آسيا، يحرقون البذور ليحميهم الدخان ويحافظ على سلامتهم من شعوذة “الفودو”، والبذور معروفة بخصائصها المسببة للهلوسة، ونذكر في هذا السياق طلب رئيس تركمانستان، قربانقلي بردي محمدوف، من مواطنيه عام 2020، استخدام التبخير بحرق عشبة الحرمل للوقاية من فيروس كورونا -19 ومواجهته وقال إن «الدخان من نبات الحرمل، يعتبر وسيلة فعالة للتصدي لمختلف الفيروسات المختلفة غير المرئية للعين».
يستخدم دخان الحرمل بشكل تقليدي في دول الشرق الأوسط وآسيا كمطهر ومنقٍّ للهواء، وتم تحليل المكونات الكيميائية للزيت الطيار لبذور الحرمل والدخان المتصاعد منه، حيث تبين أن المكونات الرئيسية لدخان الحرمل هي الفا-باينين (60.4٪)، والليمونين (6.4٪)، والستايرين (4.2٪)، بينما الزيت الطيار المستخلص من الحرمل يحتوي على الفا-باينين (72.6٪)، ومفروق –فيربينول (3.9٪)، وسابينين (2.6٪)، بينما تم العثور على الستايرين وبعض المكونات الأخرى في الدخان، ولكن لم يتم العثور عليها في الزيت المتطاير.
كيمياء الحرمل
تحتوي نبتة الحرمل على عدة مركبات مكونات من المستقبلات الثانوية المعروفة مثل القلويدات والفلافونويدات والأنثراكوينونات. وتعتبر القلويدات أهم المركبات الموجودة ويتراوح محتواها في النبتة ما بين 2 و 5٪. تنتمي قلويدات الحرمل الى مجموعة بيتا-كربولين، وتم فصل وتحديد القلويدات التالية: حرملين، وحرمين، وحرمالول، وحرمول، ورباعي هيدرو حرمينول .
تحتوي البذور والجذور على أعلى نسبة من القلويدات، وتكون نسبتها منخفضة في السيقان والأوراق وغائبة في الأزهار، والمحتوى القلوي للبذور غير الناضجة أقل من البذور الناضجة. تكون نسبة الحرمين والحرملين في البذور الجافة 4.3 و 5.6٪ على التوالي، والحرمالول 0.6٪، ورباعي هيدروحرمين 0.1٪، فيما تحتوي الجذور على نسبة من الحرمين والحرمول بنسبة 2.0 و 1.4٪ على التوالي.
تم عزل قلويد الحرملين لأول مرة من بذور وجذور الحرمل الشامي، وهو المادة القلوية الرئيسية لهذا النبات، ثم تبع ذلك فصل قلويد الحرمين، وهو مشابه للحرملين من الناحية الدوائية في أفعاله ولكنه أقل سمية. تم فصل قلويدات الفاسيسين والفاسيسون التي تتتمي الى مجموعة قلويدات الكوينازولينات، ولكن نسبتها في النبتة أقل بكثير من نسبة قلويدات البيتا-كاربولين. توجد قلويدات الحرمل أيضاً في نبتة كرمة الكاآبي (انظر الآياهوساكا).
سمية الحرمل
تُعزى التأثيرات السامة لهذا النبات إلى قلويدات بيتا كاربولين التي يحتوي عليها، والتي يمكن أن تحفز الجهاز العصبي المركزي عن طريق تثبيط استقلاب النواقل العصبية الأمينية، أو عن طريق التفاعل المباشر مع مستقبلات معينة. تحدث تأثيرات الحرمل عن طريق تفاعل قلويدات البيتا- كربولينات كمثبطات عكوسة لأكسيداز أحادي الأمين ماو (MAO)، وقد تنتج تأثيرات مضادة للاكتئاب من خلال عملها، يمكن أن يتسبب الاستخدام المتزامن لـ (ماو) والمنتجات الغنية بالتيرامين في أزمة ارتفاع ضغط الدم المعروفة باسم “تأثير الجبن”.
تساعد قلويدات بيتا-كربولين في تنشيط ثنائي ميثيل تريبتامين (دي إم تي) الموجود في النباتات الأخرى المستخدمة في تحضير مشروب الآياهوساكا الترفيهي في أمريكا الجنوبية، وتؤكد نتائج التجارب السريرية زيادة مستويات بيتا-كاربولين في بلازما مدمني الكحول المزمنين و المعتمدين على الهيروين، كما ورد أنها تزيد من تناول الكحول الطوعي.
يوجد عدد قليل من الدراسات التفصيلية عن التسمم البشري عند تناول بذور الحرمل أو مستخلصاته، وغالبيتها تقارير ذاتية من غرف الطوارئ. الحارمالين والحرمين هما قلويدات سامة عموماً ويساهمان في سمية الحرمل، وسمية الحارمالين تعادل ضعف سمية الحرمين، في الجرعات الخفيفة تظهر أعراض التسمم على شكل عدم وضوح الرؤية ورهاب الصوت والشعور بالطفو وطنين الأذن.
وفي الجرعات المعتدلة يسبب الارتعاش والتشنجات واضطرابات الجهاز الهضمي، مثل الغثيان والقيء، وتشمل أعراض الجرعة الزائدة من الحرمل الهلوسة واضطراباً في المتلازمات العصبية الحسية، وبطء القلب.
وفي الجرعات العالية يعاني الشخص من ضائقة معدية معوية، وقيئاً دموياً، وهلوسة بصرية وارتعاشات في الأطراف والوجه، وعدم انتظام دقات القلب وانخفاض ضغط الدم.
تؤدي الجرعات المميتة (150 غم من بذور الحرمل) إلى حدوث تشنجات التي سرعان ما يتبعها شلل حركي بسبب العمل الاكتئابي الملحوظ على الجهاز العصبي المركزي، وشلل الجهاز التنفسي، وانخفاض في درجة حرارة الجسم، وانخفاض في تقلصات العضلات الملساء، باستثناء عضلات الرحم، الذي قد يؤدي إلى انقباض أقوى. هناك انخفاض في ضغط الدم بسبب ضعف واضح في عضلة القلب.
في حين أن الحرمل يستخدم تقليدياً في الطب التقليدي كمطمث وكعامل مجهض، يُعتقد أن قلويدات الكينازولين (قلويدات الفاسيسين و الفاسيسون) هي المسؤولة عن النشاط المُجهض لمستخلصات الحرمل، فوجد أن لها تأثيراً تحفيزياً للرحم، على ما يبدو من خلال إطلاق البروستيجلاندين. شلل الجهاز التنفسي هو المسبب للوفيات الناجمة عن تناول الحرمل.