الأمل في الأردن

الأمل والاسطورة الاغريقية

الكلمة اليونانية التي ترجمتها «الأمل» هي إلبيس هو في الواقع اسم الإلهة اليونانية. في الأدب اليوناني الكلاسيكي، يمكن استخدام إلبيس كتوقع للمستقبل إما بطريقة إيجابية أو سلبية، على عكس فهمنا المعتاد عندما نستخدم مصطلح «الأمل» باللغة الإنجليزية أو اللغة العربية “توقع شيء إيجابي”.

تبدأ الأسطورة بأن  بروميثيوس ، إله النار والمحتال الإلهي ، سرق النار من السماء ومنحها إلى البشر. غضب زيوس ، لك الآلهة، غضبا شديدا وعقد العزم مصممًا على إبطال هذه النعمة. وبناءً على ذلك، كلف هيفيستوس ، إله الحرفيين، بخلق مخلوق بشري أنثى من الأرض (باندورا ) والتي تعني “كل الهدايا”. أبدى بروميثيوس رغبته بالزواج من باندورا، متجاهلا تحذير شقيقه إبيميثيوس. قدمت الآلهة إلى باندورا  أفضل ومختلف الهدايا، و احتفظت بهداياها في جرة. وصف زيوس الهدايا، والتي تحتوي على كل أنواع البؤس والشر والخداع، بأنها « بلاء سوف يسعدون به جميعًا وهم يحتضنون مصائبهم ».

فتحت باندورا  الجرة، وتم إطلاق مجموعة من العذابات والبؤس على العالم الأرضي، الأوبئة والأمراض، وهاجمت البشرية بصمت، وأخرجت البشر من ماض شاعري إلى مستقبل غير مؤكد ومعذب حيث الحياة قصيرة ويائسة. على أي حال، فإن الأمل هي الهدية الوحيدة التي لم تهرب من الجرة. علق الأمل في شفا الجرة وتم القبض عليه ولم يهرب، قبل أن يتم استبدال الغطاء. من غير الواضح ما إذا كان وجود الأمل في الجرة يعني أنه شر أيضًا، أو ما إذا كانت حقيقة بقائه وراءه تشير إلى أنه كان من المفترض أن يكون صالحًا، وعزاء للشرور المصاحبة.

 يكاد الأمل يكشف عن نفسه جنبًا إلى جنب مع المحتويات الأخرى للجرة، لكنه يظل في النهاية مخفيًا تحت حافة الغطاء. أنه من أجل اكتشاف ما هو مخفي، يجب علينا أن نأمل. لكن كيف يكون هذا ممكناً ؟ كيف يمكننا أن نأمل في فهم أعمال الطبيعة، التي تحب الاختباء، والألغاز التي تلي الموت، والتي غير متوقعة ولم يتم التفكير فيها ؟  فإننا نأمل فقط فيما يبدو عقلانيا أو مفهوما، لأنه “يمكن تحقيق آمال الرجال ذوي التفكير الصحيح، ولكن آمال غير الأذكياء مستحيلة”. في اسطورة باندورا، كل الآلهة والبشر لديهم علاقات مختلة ولا يشكلون

الأمل في الأردن

في الآونة الأخيرة ظهر اضراب سائقي الشاحنات في الأردن وخاصة في المناطق الجنوبية من البلاد، ويقال بأن وزيرا من العيار الثقيل (شخصيا لا أعرف ما معنى وزير من العيار الثقيل، هذا يعني وجود وزراء من العيار الخفيف، تماما مثل النفط ثقيل وخفيف)، حاول في اقناع السائقين بفك الاضراب، ولكنهم رفضوا ويجب أولا تخفيض سعر المشتقات النفطية، وقال:” ينزل الدم ولا ينزل سعر الديزل”.

لقد أعاد هذ الوزير أمل السواقين إلى جرة باندورا وأقفل عليه بغطاء من الرصاص. ونزل دم الشهيد الأول. وفي اليوم التاي، ظهر على شاشة التلفزيون الأردني الفرسان الثلاثة، وأكدوا ما جاء على لسان الوزير، وأغلقوا غطاء الجرة بالشمع الأحمر. وتوالى نزول دماء الشهداء.

هل سعر المشتقات النفطية أهم من سعر أرواح الشهداء؟! كيف تريدون من آباء أبناء هذا الشعب أن يربي جيلا مجبولا بحب تراب الوطن عندما كون سعر روح ابنه يعادل سعر تنكة ديزل؟!

يقول أفلاطون:”يجب على المرء أن يبذل قصارى جهده للمشاركة في الفضيلة والحكمة في حياة المرء، لأن المكافأة جميلة والأمل كبير”، ويقول معلمه أرسطو: “الجبان هو نوع متشائم من الرجال ، لأنه يخشى كل شيء. لكن الرجل الشجاع هو العكس تمامًا، لأن الثقة تعني الأمل”. الأشخاص الشجعان واثقون ومتفائلون، على عكس المتشائمين. وفي الجرة، أغلقتم على الأمل ومعه الفضيلة والحكمة والشجاعة والثقة.

أفلاطون والوضع في الأردن

  ربما تخيل أفلاطون واقعنا، حيث يقول:  يمكن أن تؤدي الآمال الحمقاء وغير الواقعية إلى طموحات ضارة، لكنها يمكن أن تؤدي إلى سلوك مدمر بالطريقة المعاكسة أيضًا ، ومن خلال تغذية الكسل واللامبالاة. لتوضيح ذلك، يرسم أفلاطون تشابهًا بين الآمال السياسية والطبية. يميل المواطنون غير المتعلمين أو المحكومين بشكل كافٍ إلى اعتماد قوانين تحتاج مرارًا وتكرارًا إلى التعديل. لأنهم يتجنبون معالجة الحاجة إلى تحسينات سياسية أكثر جوهرية، يعيش هؤلاء المواطنون، مثل هؤلاء المرضى ، من خلال الجهل، لا يرغبون في التخلي عن أسلوب حياتهم الضار. لا يحقق علاجهم الطبي شيئًا، باستثناء أن مرضهم يصبح أسوأ وأكثر تعقيدًا، ويأملون دائمًا  أن يوصي شخص ما ببعض الأدوية الجديدة لعلاجهم. تدعم هذه الآمال السلوك غير المستدام الذي قد يكون محفوفًا بالمخاطر في السياقين الطبي والسياسي. إحدى السمات المشتركة بين صور أفلاطون السلبية للأمل هي ارتباطها بالجهل أو الافتقار إلى العقل. لأن هناك مقاطع يشير فيها أفلاطون بشكل إيجابي إلى الآمال اليائسة، أي الآمال غير المنطقية بمعنى أنه من غير المرجح أن تتحقق. على الرغم من أن الآمال اليائسة من المحتمل أن تكون خاطئة أو مضللة، إلا أن هذه الآمال تتحقق أحيانًا بين الحث الأولي على «التفكير بهذه الطريقة أيضًا، في أن هناك أملًا جيدًا  في أن الموت نعمة» أن الحياة الآخرة جيدة. ربما يكون محقًا في أن يكون سعيدًا في مواجهة الموت وأن يكون متفائلًا جدًا أنه بعد الموت سيحصل على أعظم البركات.

الآمال اليائسة و الآمال غير المنطقية

تصاحبنا الآمال اليائسة، نتيجة الإرهاصات اليومية للحياة. يقول لورنس في كتابه ،أعمدة الحكم السبعة:” جميع الرجال يحلمون، ولكن ليس بالتساوي”. وكذلك بالنسبة للآمال، جميعنا نأمل ولكن آمالنا  ليس بالتساوي. هناك على الناصية، وعلى مفترق الطرق، توجد حاوية وامراة تنبش ما في داخلها، والمشهد يتكرر يوميا. لا أعرف ما هو الأمل من نبش الحاوية؟! ربما تأمل بأن تجد خاتما من ذهب ،أو اسوارة من ألماس، أو عقد من اللؤلؤ، ألقته سيدة ثرية في حالة غضب!!! ويستمر السير على جانب شارع الأردن ، شباب وشابات وكهول، كل منهم يحمل كيسا ويمشي على طرف الشارع. يأمل أن يجد الكثير من علب المشروبات الغازية الملقاة على جانب الطريق، وربما قام بلعن المتمدننين الذين لايبقون بالعلب الفارغة من نافذة سياراتهم، لأن النوافذ موشحة بالسواد.

 

Leave a Comment