الإمبراطورية المغولية

 

       من حُلِقتُ لِحیة جار له                  فلیسكب الماء على لحیته

 تمتد سلسلة الجبال الآسيوية الرئيسية العظمى من الصين شرقا إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط غربا، وفي القديم كانت تعتبر جبال الهملايا، التي تعرف بسقف الدنيا، في منطقة التبت حاجزا بين الشعوب المتحضرة و القبائل التي لا تزال على البداوة في الغالب. والشعوب التي  سكن إلى الجنوب من هذه الجبال كان لها اسهاما كبيرا ودورا هاما في تشكيل الحضارة وتكوين  الثقافة  مثل الهندية والفارسية.

في حين كانت الأراضي الواقعة إلى الشمال من سلسلة الجبال الآسيوية، باستثناء الصين و بلاد ما وراء النهر و ما حول نهري سيحون و جيحون، لم تعرف الحضارة ، وهي مجموعات عديدة من قبائل البدو الرحل. و عرفت هذه المناطق الشمالية عند القدماء باسم بلاد “السيث” ثم أطلق عليها أهل الصين من بعد ذلك اسم بلاد “التتار”، و يعنون بذلك بلاد الغرباء و الشعوب البعيدة و الجماعات غير المتمدنة و اللصوص، و ظل لفظ التتار يطلق على كافة القبائل التي تجاور الصين و تقطن الأقاليم الممتدة في أواسط آسيا إلى الجنوب الشرقي من أوروبا. و قد سلك كثير من المؤرخين سكان هذه المناطق الشمالية في عروق ثلاثة هي: العرق المنشورى أو المنغورى، ثم العرق المنغولي المعروف خطئا بالمغولي، ثم العرق التركي. أما المنشوريون فهم أغلب سكان الصين، و إلى الغرب منهم منازل المغول ثم مواطن الأتراك الذين يجاورون الصينيين في بعض المناطق.

 

بدأت رحلة الإمبراطورية المغولية برجل يدعى تيموجين أويسوغاي (1154- 1227) . في عام 1205 بعد الميلاد ، عندما كان عمره أكثر من 40 عامًا بقليل ، وحد البدو الرحل في الأراضي العشبية في شمال شرق آسيا في قبيلة واحدة تحت قيادته ، وأخذ لقب جنكيز خان،وتعني باللغة المغولية  “الحاكم العظيم”. غالبًا ما يتم تهجئة الإسم جنكيز أو تشانجيز. و شعر أفراد الشعب المغولي بأنهم أصبحوا أصحاب رسالة عالية و أنهم جبلوا في طاقة عظمى، فأصبحوا جسما واحدا طاغيا، سرعان ما برهن بأنه قوة متفوقة على جميع الامبراطوريات المجاورة . نزلوا إلى مدن في الصين والهند وأفغانستان وبلاد فارس وتركستان وروسيا. بين عامي 1211 و 1223 ، دكوا عشرات المدن وقضوا على أكثر من 18.4 مليون شخص في الصين وضواحيها وحدها. وبحلول وقت وفاة جنكيز خان ، في عام 1227 ، امتدت إمبراطورية المغول من نهر الفولغا إلى المحيط الهادئ. يعتقد المؤرخون بأن مجموع عدد الأشخاص الذين قتلتهم  الإمبراطورية المغولية بلغ حوالي 40 مليون نسمة, أي ما يعادل 11% من تعداد سكان الأرض في ذلك الزمان. لم تتعافى العشرات من المدن الكبرى من غضب المغول ، وانخفض عدد سكان العالم بشكل كبير في فترة غزواتهم الرئيسية.  وفي سياق تأسيس أكبر إمبراطورية على الأرض في التاريخ ، دمر المغول الخلافة العباسية وعاصمتها بغداد، ودمروا دمشق. لقد حقق العرب القليل من النجاحات العسكرية في آسيا منذ ذلك الحين ، لدرجة أن الجيوش العربية الّتي لم تربح  أي حربًا بائسة في عصرنا يستقبله الشارع العربي باعتبارهم منتصرين.

تعتبر قبائل التتار قبائل مستقلة عن المغول، ولكن على اثر انتصارات جنكيز خان أطلق أسمه عليها وعلى جميع أتباعه وعندا هاجموا الممالك الاسلامية كانوا يعرفوا باسم بالتتار، وأطلق عليهم كذلك أسم المغول.وعرف المغول الذين غزوى الصين بالتتر. ولغة التتر تختلف عن لغة المغول ولغة الأتراك.

 

الجغرافيا

تعتبر مغولستان (منغوليا) هي الوطن الأم للمغول. وأنّ الوطن الأم للترك هو ما بين جبال ألطاي وجبال أورال. وإنّ المصادر الصينية واليونانية والعربية، مثلها مثل المصادر الإيرانية، تفيد بأنّ نهر أموداريا شكّل الحدود التقليدية بين الطورانيين والإيرانيين، وإن تركستان هي الوطن الأم للترك. وقد أطلق الإيرانيون على هذا الإقليم أسم طوران نسبة إلى (طور)، وهذا الاسم فارسيّ معناه ” تركيّ “،  وجمعه بالفارسية (طوران) و (طور) أو (طورَج) لا يعني شيئاً غير التركي.

وفي القرن الحادي عشر توسّعت حدود البلاد التركية كثيرا نتيجة الهجرات التركية الكبرى ولاسيما السلجوقية، وبسبب هذه الهجرات فإنّ حدود تركستان (بلاد الترك) بلغت من حدود الصين والهند إلى بلاد الروم وروسيا، وبلك بلغت مساحة أرض الترك مساحة ربع العالم.

وفي المقابل فإنّ الجغرافيين العرب في القرن العاشر الميلادي خصصوًا اسم (الترك) للترك الشامانيين فقط، وميّزوهم من الأتراك المسلمين، ولذلك فإنّ أسم تركستان أُعطي للبلاد التركية خارج حدود الدولة الإسلامية. ولذلك فإنّ تركستان التي أطلقت عليها المصادر الفارسية القديمة اسم (طوران) أي (بلاد الترك) كانت تذكر غالباً في المصادر الإسلامية حتّى العصر السلجوقي باسم (بلاد ما وراء النهر). هذا وإنّ البيزنطيين والأوربيين كانوا يذكرون السلاجقة والعثمانيين عموماً باسم الترك، ونادراً ما كانوا يستخدمون كلمتي “الأسرة المالكة” أو “الدولة” بشأنهم.

يُعد منخفض طوران، أرض طوران المنخفضة أو الحوض الطوراني إقليمًا به حوض صحراوي منخفض يمتد من جنوب تركمانستان إلى أوزباكستان وحتى كازاخستان. يمتد إقليم الأرض المنخفضة إلى شرق بحر قزوين وجنوب شرق بحر آرال في منخفض آرال-قزوين المتسعة ولكنه يمتد إلى أجزاءٍ فوق مستوى سطح البحر أيضًا. وغالبا ما يكلق عليهم في الكتب التاريخية لفظ “طوراني”, وهم القوم الذين ينحدرون من فرع آلتاي  التابع لمجموعة أعراق أورال-آلتاي، وهم من العرق الأبيض عريضي الجمجمة,. وتتميز كل قبيلة بوحدتها وتماسك أبناء القبيلة مع بعضهم البعض، ويطلق لقب “نويان” على رئيس القبيلة.

وزع جنكيز خان  أراضيه الشاسعة بين أبنائه الأربعة ( جوجي أو جوشي، وجغتاي، وأوقتاي، وتولوي). جوجي، وهو الابن الأكبر لجنكيز خان وقد توفي قبل والده بستة أشهر.

الصفات الجسدية

تتمثل الصفات الجسدية في الرأس الكبير، والوجه العريض والأسنان القوية والرقبة القصيرة والصدر الواسع وقصر القامة، والساقين المتوسطتين، وصغر القدمين والبشرة الصفراء السميكة. كريهو الطلعة والمحيا للغرباء عنهم. يحلقوا شعرهم من الخلف وأعلى رؤوسهم ويتركوه طويلاً على الجانبين. منعهم العرف من غسل ملابسهم على الإطلاق. يجهلون القراءة والكتابة، مهرة في الحرب، ويحافظون على استمرار جنسهم أو عرقهم بالمواظبة على تعدد الزوجات. وكانوا في هجراتهم وحملاتهم ينقلون معهم كل متاعهم وممتلكاتهم.

البيئة

كما هو حال طباع البدو لا يعملون بالزراعة, وليس لهم بها علاقة  لا من قريب ولا من بعيد ويكنوا للزراعة كراهية شديدة , لأن الزراعة تجبرهم على المكوث في الأرض لفترات طويلة، لا يحسنون تجارة أو صناعة. وهم كثيروا الترحال مع خيامهم  مع مواشيهم بحثا عن العشب. وبسبب الظروف المعيشية وكثرة التنقل والترحال, لم تعرف هذه القبائل المدن أو معنى الحضارة.  وتعدد الزوجات  أمرا شائعا عندهم, وكانوا يأكلون بنهم وشراهة عند توافر المؤن، ولكن كانوا يحتملون الجوع والعطش والقيظ والبرد والصقيع “بصبر أكثر من أي شعب آخر في العالم ”  . وعلى قدر كبير من العناد والقسوة، ومثل بقية البدو دائمي الضجر والتبرم إن لم يكن على ظهرجواده. يعانون الفقر وفي طريقهم للإفلاس،. كانوا كرماء جدا والضيافة طبيعة فيهم ودائما ما تجد عندهم عابر سبيل وكانوا يبيعون ممتلكاتهم أو يرهونونها للإنفاق على ولائمهم. وكانوا مغرمين بالصيد بواسطة الصقور. لقد كون البرد القارس والرياح العصافة والشمس المحرقة رجالا أشداء لا يعرفون إلا القتال والقتل، والعيش على صهوات الخيول، أمضى المغول الكثير من الوقت على ظهور الخيل لدرجة أنهم نشأوا وهم مقوسوا الأرجل، وهم رجال حرب وقليل منهم من يموت تحت سقف بيته ،حتى أعتقد الناس بأن المغول ليسوا مثل بقية البشر، إنهم ليسوا من نسل بني آدم,  كتب مؤرخ عنهم: “استغل المغول الرعب على أكمل وجه مستوحى من جسدهم وقبحهم ورائحتهم النتنة.”. كانوا خامة ممتازة لكل من كان يحلم بتأسيس إمبراطورية.

في سهولهم الخالية من الأشجار، كانوا يميلون إلى التعرض للصواعق كثيرًا. أرعبهم الرعد. كانوا يرتدون دروعًا مصنوعة من موازين من الحديد مُخيط على ملابس من الجلد السميك ، وخوذات حديدية تصل أحيانًا إلى نقطة في الأعلى. كانت سيوفهم قصيرة وفي بعض الأحيان منحنية. كانت الشقوق الموجودة في سهامهم ضيقة جدًا بحيث لا تتناسب مع الأوتار الأوسع للشعوب الغربية التي حاربوها ، بحيث لا يمكن التقاط الأسهم وإطلاق النار عليهم.. لم يكن لدى المغول كلمات تعني “يمين” و “يسار” ، لكن أطلقوا عليها اسم “الغرب” و “الشرق” على التوالي.

كان لدى المغول الكثير من الثيران والماشية بحيث تمكنوا من حمل جميع أنواع الأشياء معهم – منازل كاملة وحتى معابد – على عربات عملاقة. قال المراقبون إن عدد الخيول المغولية كان لا يحصى ، فكل محارب يمتلك العديد من الخيول. إذا كان على المغولي أن يتحرك أي مسافة أبعد من مائة خطوة ، فقد يقفز على حصانه ليسابق الريح. يصف تاريخ روسي معاصر اقتراب الجيش المغولي من أسوار كييف: “كانت أصوات قعقعة عرباتهم التي لا تعد ولا تحصى ، وصرير الجمال والماشية ، وصهيل الخيول ، وصراخ المعركة الجامحة ، ساحقة لدرجة جعل المحادثة غير مسموعة من الناس داخل المدينة “. بالضرورة ، قام المغول بمعظم غزواتهم ونهبهم خلال المواسم الأكثر دفئًا ، عندما كان هناك عشب كافٍ لقطعانهم. بالنسبة للمدن والأماكن المزروعة في مسار المغول ، كانت كارثة طبيعية .

و كان من سياسة المغول أن لا يعتدو على العلماء و الفنانين و الحرفيين الذين يمكن ان يستفيدوا منهم و من خدماتهم، و كذلك النساء و الأطفال كيما يستخدمونهم عبيدا، و لقد تركوا بعض الرجال في سن الجندية أحياء أيضا لكي يستخدموهم كبش فداء في حصار تال، أو أي هجوم. حيث كان يقذف بهم أمام الجنود المغول، و يجبرون على صدام بني جلدتهم. و لم يكن هنالك أي مهرب أو منجى لهم من تلك الورطة فإما أن يهاجموا أسوار بلدانهم أو يحصدوا حصدا دونما شفقة أو رحمة.

نظام الغذاء
وقد يكون نظامهم الغذائي، وقد ساهم أيضًا في زيادة رائحتهم ، والذي كان أساسًا حليب الفرس, وخاصة حليب الفرس المخمر والمسمى قميز (Kumis) في أوقات معينة من العام. في المسيرات عندما لم يكن هناك وقت للحليب ، كان الفرسان المغول يفتحون وريدًا في أعناق خيولهم ويشربون الدم ، إما بشكل مستقيم أو من كيس.

كما أكل المغول اللحم النيء، يأكلونه من غير شواء، لحمًا طريًا من خلال جلوسهم تحت سروجهم في رحلات طويلة، وهم اذا أكلوا لحما لا يفرقون بين الطاهر وغير الطاهر من الحيوان . وكان لحم الصيد لحمهم المفضل، ويعشقون تربية الحيوانات, وهم مهرة  في تربية الأغنام والخيول, ولحوم الأغنام والخيول لا غنى عنها. وبعد ذلك أضافوا لحم الجمل, وخاصة عجز الجمل ذا السنامين, ولحم البقر. ولا يأكلون الخبز ولا يعرفون الخمر. وكانوا يستخرجون من حليب البقر والغنم الزبد والجبن.

كتب ماركو بولو ، الذي سافر بينهم في السنوات( 1275-92 12) ، أنهم يأكلون الهامستر ، الذي كان وفيرًا في السهوب. وأفاد راهب فرنسيسكاني ذهب عام 1245 للبحث عن الخان العظيم على أمل إقناعه بأن يصبح مسيحيًا ، أنه خلال حصار مدينة صينية ، نفد طعام جيش المغول وأكل واحدًا من كل عشرة أفراد من الجنود. يعتقد سكان البحر الأبيض المتوسط ​​، الذين يعرفون المغول فقط بالسمعة، أنهم مخلوقات برؤوس كلاب تعيش على لحم بشري.

 

وذكر ابن خلدون في مقدمته: “أكل العرب الإبل فأخذوا منها الغيرة والغلظة وأكل الأتراك الخيول فأخذوا منها الشراسة والقوة. وأكل الإفرنج الخنزير فأخذوا منه الدياثة ، وأكل الأحباش القرود فأخذوا منها حب الطرب”.

وقال ابن القيم رحمه الله :”كلّ من ألِفَ ضربا من ضروب الحيوانات اكتسب من طبعه وخُلقه،فإن تغذى بلحمه كان الشبه أقوى”. ونحن الشعوب العربية، من المحيط الثائر إلى الخليج الهادر، لا نأكل إلا لحم الضان، وكلما كانت خرافا صغيرة، يكون الطلب عليها أكثر، ولا نبقي منها شيئا حتى النخاع واللسان.

الديانة

كان المغول فضوليين بشأن الأديان ومتسامحين تجاهها. لم تقم الجيوش المغولية أحيانًا بتدمير الكنائس والمساجد والأديرة. ودمج العديد من جحافل المغول معتقداتهم الشامانية مع الإسلام أو البوذية السائدة في الأراضي التي اجتاحوها. الظاهر من عموم مذاهبهم الإدانة بوحدانية الله، وأنه خلق السموات والأرض، وأنه يحي ويميت ويغني ويفقر،ويعطي ويمنح.

أصدر جنكيز خان عام 1206م قانون يسمى ” الياسا Yasa “،  من أجل نشر الأمن والقضاء على الفوضى في أرجاء الإمبراطورية المغولية. وفي كثير من الحالات بقيت الياسا في مكانها لقرون في الأراضي التي احتلوها. وتشمل  الياسا على مواد كثيرة من الأحكام التي تتعلق بالثواب والعقاب، وعلى سبيل المثال:” من زنى يُقتل، ومن بال في الماء الراكد يُقتل، ومن وقع حمله أو قوسه فمر عليه غيره ولم ينزل لمساعدته يُقتل، ومن أطعم أسير قوم أو سقاه أو كساه بغير إذنهم يُقتل، ومن ينبذ المواثيق والعهود يُقتل”. ويوضح قانون الياسا كراهية للسرقة والزنا وشرب الخمر والظلم، وعدم التعصب للمذاهب. ومن تعاليم الياسا:” أن لا يأكل أحد من يد أحد طعاما حتى يأكل المطعم منه ولو كان المطعم أميرا والآكل أسيرا. وقد جرت عادة ملوكهم أنهم اذا غضبوا على أحد من أتباعهم أخذوا ماله وباعوا أولاده. وتنص الياسا ” على وجب معاملة أبناء ونسل  علي بن أبي طالب كرم الله وجه بالرعاية والاحترام”.

المغولَ ككلّ يحترمونَ الدينَ أيُّ دينٍ كما يُفهمُ مِن قانون الياسا، لكنّهم لا ينظرونَ إلى الدينِ كما ينظرُ المؤمنونَ الصّادقونَ منَ الشعوبِ الأخرى، فالمغوليُّ الصّادقُ في تديّنِه خارجٌ عن القاعدةِ السائدةِ عندَهم وعن القيمِ العميقةِ التي ينشؤونَ عليها في عوائلِهم ومجتمعِهم، وهيَ المادّيّةُ والعنفُ والغرورُ القومي، ولهذا لم يتحسَّن سلوكُهم وتصرّفُهم بدخولِهم في الإسلامِ إلّا قليلاً.

يدعى الإمبراطور المغولي “خاقان”، والخاقان لا يأمر، بل يصدر إرادة، ومنبع هذه الإرادة هو الإلهام الإلهي النابع من الإله” تنكري”. لذا فإن إرادة الخاقان لا تناقش، وتعتبر مناقشتها مخالفة لإرادة الإله، ” جلست على عرش آبائي لأن التنكري أراد ذلك”.

***

ان اعتناق الأمير بركة خان بن جوجي خان بن جنكيز خان (1209-1266), للإسلام ساهم بشكل كبير  في نشر الإسلام بين أبناء قومه، فهو اول مغولي مسلم. والأمير بركة كان خانا للقبيلة الذهبية,  وكان اعتناقه للإسلام عن قناعة تامة ومخلصة، وقد تأثر بأمراة أبيه المسلمة “رسالة”. لهذا أعلن إسلامه على الملأ وقاتل من بقي من قومه على كفره.  وكان الأمير بركة خان شجاعاً، جواداً، حازماً، عادلاً،, حسن السيرة، و كارهاً الإكثار من سفك الدماء وتخريب البلاد. وبفضله تأسست دولة المغول المسلمة في بلاد القفجاق, بعد سنة 1214 ميلادي,  وسُميت بأسم مملكة دشت بركة – أي صحراء بركة – تيمناً باسمه بعد ما كانت تسمى دشت القفجاق. ووفقاً لكل ذلك أصبح الدين الإسلامي الدين الرسمي بشكلٍ نهائي في معظم أرجاء البلاد ، وكان التسامح الديني كان هو السمة البارزة في القبيلة الذهبية.

وقد عبّر الأمير بركة خان عن استيائه مما فعله  ابن عمه ،هولاكو، بالخليفة العباسي وبالمسلمين في بغداد ومن اهانة لإيمانه، بقوله: « إنّه دمر جميع مدن المسلمين ،وقضى على أو  أُسر ملوك المسلمين جميعهم، ولم يميز بين الصديق والعدو، وأعدم الخليفة من دون مشورة كبار الأسرة فلو أمدني الله تعالى لطالبته بدماء الأبرياء». أصبحت القبيلة الذهبية دولةً إسلاميةً تفرض سيطرتها على معظم أوربا الشرقية من البلطيق الى البحر الأسود، وفي شبه جزيرة الفولغا أدت موجات الاستيطان واعتناق الدين الإسلامي الى ايجاد شعب إسلامي كبير ونشيط في مدن مزدهرة عدة مثل قازان وسراي واستراخان وهذهِ المدن أصبحت، بعد أن تجزأت دولة القبيلة الذهبية،  عواصم لخانات مستقلة.

 

كانت ابنة هولاكو تتجول في شوارع بغداد بعد احتلالها, ورأت حشدا من الناس قد تحلقواحول رجل.

سألت حراسها: من هذا؟ قالوا: عالما من علماء المسلمين يجتمع الناس حوله كل يوم. فأمرت أن يحضروه مخفورا مكبلا في عمامته. ففعلوا, ولما وضعوه بين يديها قالت له:  إن الله يحبنا ولا يحبكم, فقد نصرنا عليكم ولم ينصركم علينا. فقال لها فكي وثاقي لأجيبك بسؤال. فأمرت بفك وثاقه.

وسألها: ماذا يفعل راعي الغنم اذا شردت غنمه ولم تطع أمره؟

فقالت: يرسل كلابه عليها لتعود إليه . فقال لها: وأنت قلتيها.

***

يمكن وصف إمبراطورية المغول ، التي يغذيها العشب ، بأنها كانت تعمل بالطاقة الشمسية ، وكانت إمبراطورية الأرض. والإمبراطورية اللاحقة ، مثل البريطانية ، عن طريق السفن وكانت تعمل بالرياح ، وهي إمبراطورية البحر. والإمبراطورية الأمريكية ، إذا كانت إمبراطورية ، تعمل على النفط ، وهي إمبراطورية من الهواء.

خلافة جنكيز

توفي جنكيز خان في حوالي 18 آب عام ،1227 ، وكان قرار جنكيز خان في وصيته أن تقسم الامبراطورية بين أبناء زوجته الرئيسية الأربعة، الذين كانوا قد اشتركوا اشتراكا فعليا في الحكم أثناء حياته، و طبقا للتقاليد المغولية القديمة كان الابن الأصغر هو الوارث الرئيسي و الوصي على أملاك والده، و أخذا بهذا المبدأ فقد اصبحت الأراضي المغولية الأساسية من نصيب الأبن الأصغر. الذي كان يدعى تولوي، و أما الأبناء الثلاثة الباقون فقد كان توزيع المملكة بينهم كما يلي: أخذ جغتاي الأراضي الواقعة شمال‏و شمال شرق نهر جيحون و التي دعوها السكان في الغرب منطقة ما وراء النهرين، و أخذ أو كتاي الأراضي الواقعة في أقصى الشرق، و أما الأكبر جوجي فقد نال الأراضي الواقعة في الغرب، أي روسيا توفي الابن الأكبر جوجي قبل موت والده بستة أشهر، و هكذا أصبح أبناؤه الورثة المباشرون لجدهم.

طبقا لرغبة الامبراطور المتوفى، و لكن بما أن المؤسس لم يخصص أحدا باسمه، اتفق على أن يجري الاختيار عن طريق الانتخاب، و هكذا فبعدما تم عقد الجمعية الوطنية العامة «القوريلتاي» عام 1229 اتفق الأخوة دونما أية صعوبات على تنصيب أوكتاي، و لكن هذا لم يرث أيا من مواهب والده الحربية، و في الروايات التاريخية التي وصلتنا يوصف بأنه كان هادئا، و لا يميل لاستعمال القوة و كان ذا ضمير حي، و داهية ثاقب النظر، وسّع عاصمة ملكه قره قورم و زينها بالمباني و الصروح الفخمة.

سلافة جنكيز خان

في الآونة الأخيرة ، أخذ عالم الوراثة في جامعة أكسفورد ، الدكتور كريس تايلر سميث ، وعلماء الوراثة من الصين وآسيا الوسطى عينات دم من السكان الذين يعيشون في مناطق قريبة من الإمبراطورية المغولية السابقة ، ودرسوا كروموسومات ” Y” ، وهي مفيدة في تحديد النسب لأن الكروموسومات” Y ” تستمر من الأب إلى الابن. وجد الدكتور تايلر سميث وزملاؤه أن عددًا كبيرًا بشكل غير طبيعي من كروموسومات ” Y ” يحمل توقيعًا جينيًا يشير إلى النسب من سلف واحد مشترك منذ حوالي ألف عام. افترض العلماء أن الجد كان جنكيز خان (أو ، بشكل أكثر دقة، أحد أسلاف جنكيز خان في القرن الحادي عشر). حوالي ثمانية في المائة من جميع الذكور في المنطقة المدروسة، أو ستة عشر مليون رجل، يمتلكون هذا التوقيع الصبغي. هذا يمثل نصف في المائة من مجموع السكان الذكور في العالم. لذلك من الممكن أن يكون أكثر من اثنين وثلاثين مليون شخص في العالم اليوم ينحدرون من نسل جنكيز خان.

 

 

 

 

 

 

Leave a Comment