عبرت الشط على مودك

عبرت الشط على مودك 

 تبدأ أغنية الفنان الكبير كاظم الساهر “عبرت الشط على مودك” بلحن راقص جميل, ويتخيل للسامع بأن حبيبا عبر الشط لملاقاة حبيبته على الضفة الأخرى، أو  رغم الأهوال وفيضان النهر الا أنه غامر بالسباحة للضفة الأخرى لإنقاذها من موت محتوم. 

وفي واقع الأمر ليس كذلك أبداَ. إنها حكاية إمرأة عادية من عاصمة الرشيد، لها طفل صغير عمره سبعة اشهر، كانت تسكن في منطقة قرب شط  نهر دجلة.   

في أحد الأيام اجتاح منطقتها فيضان كبير، ووضعت هذه الأم أمام خيارين: الخيار الأول أن تبقى لتواجه الفيضان ومصيرها ونسبة الهلاك 100% ،!  والخيار الثاني أن تعبر الشط سباحة حتى تصل إلى بر الأمان للضفة الأخرى ونسبة النجاة قليلة جدا ، وربما لا تتجاوز 5%، وذلك  لعدم قدرتها ومعرفتها بالسباحة.

 نظرت إلى طفلها الصغير، لا حول له ولا قوّة، وأخذت قرارها دون تردد “يجب أن نعبر الشط” ونذهب الى الضفة الاخرى الآمنة.  كانت ترفع طفلها الصغير بكلتا يديها فوق رأسها وتغوص الى الماء وتصارع امواج النهر العاتية والمتلاطمة من شدة الفيضان، تارة تصعد إلى سطح الماء لتلتقط أنفاسها، وتارة يقوم الموج باغراقها، وظلت الأم على هذا الحال بين صعود وهبوط وشهيق وزفير وابنها الصغير فوق رأسها لا يعي ولايدرك ما تواجهه أمه وماتعانيه في سبيل انقاذحياته حتى وصلت الأم الى اليابسة، وحققت مرادها في انقاذ قرة عينها. انها غريزة الأمومة البشرية أن تضحي الأم بحياتها من أجل حياة فلذة كبدها. وهناك شبه اجماع بأن جميع الامهات اللواتي يخضعن لعمليات الولادة الصعبة وبين الحياة والموت، تختار الأم الموت ليعيش جنينها. 

 وبدأت أمه بالعمل حتى تستطيع أت ـؤمن له حياة كريمة، وتخرجه من ضنك وعوز الحياة. ودارت الأيام وكبر الطفل وأصبح رجلاً غنياً ، وحينها كانت الصدمة على قلب أمه عندما أرسلها الى بيت العجزة بدار المسنين، بسبب امرأته التي أشارت عليه وأصرت على الأمر. 

عبرت الشط على مودك وخليتك على راسي

كل غطه أحس بالموت وقوة اشهق أنفاسي. 

هل كانت تحس بالموت عندما كانت تغطس في المياه ورافعة يديها للأعلى حاملة طفلها ومضحية بحياتها. لو كانت الأم حيوانا لداست على ابنها حتى ترتفع هي للأعلى.

هذه هي نعمة الأمومة، وحكاية أخرى من غير البلاد العربية. جاهدت وكافحت هذه السيدة حتى تربي ابنها أفضل تربية وأصبح رجلا غنيا وتزوج ورزق بأبناء، وكما فعل صاحبنا، أرسل أمه إلى بيت العجزة عندما شاخت. كان يزورها بين الفينة والأخرى، ودائما يسألها ماذا تريدين؟ فتقول: لا شيء. وعندما اشتد عليها المرض وشعرت بدنو أجلها، سألها: ما ذا تريدين يا أمي؟

أجابته: أريد منك أن تتبرع لدار العجزة هذه بمكيّفات هواء.

استغرب ولدها من طلبها هذا، ومن بابب الفضول: لماذا مكيّفات الهواء بالتحديد؟!

فأجابته: الجو هنا شديد الحرارة، ولا توجد مكيّفات، وأخاف عليك من شدة الحرارة عندما تكبر ويحضرك ابنائك إلى دار العجزة.  كم أنت عظيم يا قلب الأم!!!

 سليمان العليمات

عمان 5/9/2022

Leave a Comment